يستهجنه في القرآن موجود على نطاق أوسع وأشد بما لا يقاس في كتابهم المقدس، فالملل الذي يصيب قارئ الجزء الأخير من سفر "الخروج" وكل أسفار "الأخبار" و"العدد" و"الاشتراع" وأوائل "أخبار الأيام الأول" أمر لا يطاق. إنه يصل إلى حد الغثيان والدُّوار وزغللة العين: فمن سلاسل أنساب وأسماء أشخاصٍ ومواقعَ تتابع وتتداخل ويأخذ بعضها برقاب بعض، إلى تفصيلات تفصيلات التفصيلات، إلى حوادث ذكرها، وعهود يُعَاد صوغها... إلخ حتى تتركك القراءة جثة هامدة. وفي "المزامير" و"الأمثال" يظل الإنسان يطالع نفس الأفكار والمشاعر مصوغة بنفس العبارات أو بعبارات متقاربة على مدى مائة وستين صفحة من الصفحات المزدحمة حتى ليختنق اختناقاً. ثم هناك أسفار النبوءات الخاصة بأنبياء بني إسرائيل التي تكتظ بتفريغ هؤلاء الأنبياء لأقوامهم الصًلاب الرقبة وشَتْمهم لهم ولعنهم إياهم وشماتتهم بهم وتنبؤهم بما ينتظرهم من مستقبل أسود مما يستغرق مئات الصفحات. وهذا في العهد العتيق، أما في العهد الجديد فعندنا أربعة أناجيل كل منها يحكي سيرة المسيح عليه السلام من البدء إلى النهاية: نفس الحوادث، نفس الأشخاص، نفس الحوارات. وقد كانت سيرةٌ واحدةً فقط منها تكفي.