يَرُدُّون في فيه عَشْرَ الحَسودِ يعني: أنهم يغيظون الحسود حتى يَعَضَّ على أصابعه العشر، ونحوه قول الهذلي:
قَدَ افْنَى أَنامِلَه أَزْمُهُ | فأضحى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظِيفا «١» |
والثاني: أنهم كانوا إِذا جاءهم الرسول فقال: إِني رسول، قالوا له: اسكت، وأشاروا بأصابعهم إِلى أفواه أنفسهم، رَدَّاً عليه وتكذيباً، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: أنهم لما سمعوا كتاب الله، عجّوا ورجعوا بأيديهم إِلى أفواههم، رواه العوفي عن ابن عباس. والرابع: أنهم وضعوا أيديَهم على أفواه الرسل. ردَّاً لقولهم، قاله الحسن. والخامس: أنهم كذَّبوهم بأفواههم، وردُّوا عليهم قولهم، قاله مجاهد، وقتادة. والسادس: أنه مَثَلٌ، ومعناه: أنهم كَفُّوا عما أُمروا بقبوله من الحق، ولم يؤمنوا به. يقال: رَدَّ فلان يده إِلى فمه، أي: أمسك فلم يُجِب، قاله أبو عبيدة. والسابع: رَدُّوا ما لَوْ قبلوه لكان نِعَماً وأياديَ من الله، فتكون الأيدي بمعنى: الأيادي، و «في» بمعنى: الباء، والمعنى: رَدُّوا الأياديَ بأفواههم، ذكره الفراء، وقال: قد وجدنا مِن العرب مَن يجعل «في» موضعَ الباء، فيقول:
أدخلك الله بالجنة، يريد: في الجنة، وأنشدني بعضهم:
وأَرغَبُ فيها عن لَقيطٍ ورهطِهِ | ولكنَّني عن سَنْبَسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ |
قوله تعالى: وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أي: على زعمكم أنكم أُرسلتم، لا أنهم أقرُّوا بإرسالهم. وباقي الآية قد سبق «٢» تفسيره. قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ هذا استفهام إِنكار، والمعنى:
لا شك في الله، أي: في توحيده يَدْعُوكُمْ بالرّسل والكتاب لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قال أبو عبيدة: «من» زائدة، كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ، قال أبو ذؤيب:
جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الحُبِّ لمَّا شَكَوتِهِ | وما إِن جزاكِ الضِّعْفَ مِن أَحَدٍ قبلي |
قوله تعالى: وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا فيه قولان: أحدهما: بيَّن لنا رشدنا. والثاني: عرَّفنا طريق التوكل. وإِنما نصّ هذا وأمثاله على نبيّنا ﷺ ليقتديَ بمن قبله في الصبر وليعلم ما جرى لهم. قوله تعالى: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ يعني: الكافرين بالرّسل. وقوله: مِنْ بَعْدِهِمْ أي: بعد هلاكهم.
ذلِكَ الإِسكان لِمَنْ خافَ مَقامِي قال ابن عباس: خاف مُقامه بين يديَّ. قال الفراء: العرب قد
(١) في «القاموس» الأزم: القطع بالناب وبالسكين، وأزم: عض بالفم كله شديدا.
(٢) سورة هود: ٦٢.
(٢) سورة هود: ٦٢.