قوله تعالى: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ قرأ أنس، والشعبي، والضحاك، وقتادة، وأبو رجاءٍ، وأبان عن عاصم، وابن محيصن: بفتح الميم والمعنى: على تُؤدة وترسُّل ليتدبَّروا معناه.
قوله تعالى: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا هذا تهديد لكفّار مكة، والهاء كناية عن القرآن. إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وفيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم ناس من أهل الكتاب، قاله مجاهد. والثاني: أنهم الأنبياء عليهم السلام، قاله ابن زيد. والثالث: طلاب الدِّين، كأبي ذر، وسلمان، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو، قاله الواحدي.
وفي هاء الكناية في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِ قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى القرآن، والمعنى:
من قبل نزوله. والثاني: ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قاله ابن زيد. فعلى الأول إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القرآن.
وعلى قول ابن زيد إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ ما أُنزل إِليهم من عند الله.
قوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ اللام ها هنا بمعنى «على». قال ابن عباس: قوله «للأذقان» أي:
للوجوه. قال الزجاج: الذي يَخِرُّ وهو قائم، إِنما يَخِرُّ لوجهه، والذَّقْن: مُجْتَمع الَّلحيَين. وهو عضو من أعضاء الوجه، فإذا ابتدأ يَخِرُّ، فأقرب الأشياء من وجهه إِلى الأرض الذقن. وقال ابن الأنباري: أول ما يلقى الأرض من الذي يَخِرُّ، فأقرب الأشياء من وجهه إِلى الأرض الذقن. وقال ابن الأنباري: أول ما يلقى الأرضَ من الذي يَخِرُّ قبل أن يصوِّب جبهته ذقنُه، فلذلك قال: «للأذقان» ويجوز أن يكون المعنى: يَخِرُّون للوجوه، فاكتفى بالذقن من الوجه كما يُكتفى بالبعض من الكُلِّ، وبالنوع من الجنس.
قوله تعالى: وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا نزَّهوا الله تعالى عن تكذيب المكذِّبين بالقرآن، وقالوا: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا بإنزال القرآن وبعثِ محمّد صلى الله عليه وسلّم لَمَفْعُولًا واللام دخلت للتوكيد. وهؤلاء قوم كانوا يسمعون أن الله باعثٌ نبيّاً من العرب، ومُنزِلٌ عليه كتاباً، فلما عاينوا ذلك، حمدوا الله تعالى على إِنجاز الوعد، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ كرَّر القول ليدل على تكرار الفعل منهم. وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً أي: يزيدهم القرآن تواضعاً. وكان عبد الأعلى التيمي يقول: من أوتي من العلم ما لا يُبكيه، لَخليق أن لا يكون أوتيَ علماً ينفعه، لأن الله تعالى نعت العلماء فقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً إلى قوله تعالى: يَبْكُونَ «١».

(١) فائدة: قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ٢/ ٤٥٣: فصل: فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان، فما كان مغلوبا عليه لم يفسد الصلاة، وما كان من غير غلبة، فإن كان لغير خوف الله أفسد صلاته، قال أبو عبد الله بن بطة، في الرجل يتأوه في الصلاة: إن تأوه من النار فلا بأس. والتأوه ذكر مدح الله تعالى الباكين بقوله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ. وروي عن عبد الله بن الشّخير، عن أبيه، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. ولم أر عن أحمد في التأوه شيئا، ولا في الأنين والأشبه بأصوله: أنه متى فعله مختارا أفسد صلاته. وقال في البكاء الذي لا يفسد الصلاة: ما كان من غلبة.
والنصوص عامة تمنع من الكلام كله، ولم يرد في التأوه والأنين ما يخصّهما، والمدح على التأوه لا يوجب تخصيصه.


الصفحة التالية
Icon