ذلك ويقول: إنما يفيد الاهتمام.
وقد قال سيبويه في كتابه: وهم يقدّمون ما هم به أعْنى.
والبيانيون على إفادة الاختصاص.
ويَفْهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر، وليس كذلك، وإنما
الاختصاص شيء آخر، والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظةَ الحصر، وإنما عبّروا بالاختصاص.
والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور.
والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه، وبيانُ ذلك أن الاختصاص
افتعال من الخصوص: والخصوص مركب من شيئين: أحدها عام مشترك بين
شئين أو أشياء.
والثاني معنى مُنْضَمٌّ إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنه
أخص من مطلق الضرب.
فإذا قلتَ ضربت زيداً أخبرت بضرب عام وقع منك
على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصّاً لما انضم إليه منك ومن زيد، وهذه المعاني الثلاثة، أعني مطلق الضرب، وكونه واقعاً منك، وكونه واقعاً على زيد، قد يكون قصدَ المتكلمُ لها ثلاثتها على السواء.
وقد يرجّح قصده لبعضها على بعض، ويُعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم، فإذا قلت زيداً ضربت عُلِمَ أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود.
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصَد من جهة
عمومه، وقد يقصَد من جهة خصوصه.
والثاني هو الاختصاص، وأنه هو الأهم عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره لإثباب ولا نَفْي، ففي الحصر معنى زائد عليه، وهو نفي ما عدا المذكور، وإنما جاء هذا في: (إيّاكَ نَعْبُد)، للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله، ولذا لم يطرد في بقية الآيات.
فإن قوله: (أفَغَيْرَ دين الله يَبْغُون) آل عمران: ٨٣.
لو جُعل في معنى ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه - لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، وليس المراد.
وكذلك: (آلهةً دونَ اللهِ تُرِيدون) الصافات: ٨٦، المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر.