والثاني: أن لفظه لفظُ الماضي ومعناه الاستقبال، أي نزل جملة في ليلة القدر.
قال أبو شامة: الظاهر أن نزولَه جملة إلى السماء الدنيا بعد ظهورِ نبوءته - ﷺ -.
قال: ويحتمل أن يكون قبلها.
قلت: الظاهر هو الثاني، وسياقُ الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه.
وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد أخرج أحمد والبيهقي في الشّعَب عن
واثلة بن الأسْقَع، أن النبي - ﷺ - قال: أنزلت التوراة لستّ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خَلَتْ منه، والزبور لثمان عشرة منه. والقرآن لأربع وعشرين خلت منه.
وفي رواية: وصحف إبراهيم لأول ليْلة، قال: وهذا الحديث
مطابق لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أُنْزِلَ فيه القرآن).
ولقوله: (إنا أنْزَلنَاهُ في ليلة القَدْرِ) فيُحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة
كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض: (اقرأ باسم ربك).
قلت: لكن يُشْكِلُ على هذا ما اشتهر من أنه - ﷺ - بُعث في شهر ربيع.
ويُجَاب عن هذا بما ذكروه أنه نُبيء أولاً بالرؤيا في شهر مولده، ثم كانت
مدتها ستة أشهر، ثم أوحي إليه في اليقظة.
ذكره البيهقي وغيره.
نعم، يشكل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن عن أبي قِلابة، قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان.
الثالث: قال أبو شامة: فإن قيل: ما السرُّ في نزوله منَجَّماً، وهلاّ نزل كسائر الكتب جملة؟
قلنا: هذا سؤالْ قد تولى الله جوابَه، فقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ).
يعْنُون كما أنزل على مَنْ قبْله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: (كَذَلِكَ) - أي أنزلناه كذلك مفرّقا - (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)، أي لنقوِّيَ به قلبك، فإن الوحْي إذا كان يتجدد في كل