فإن قلت: كيف ينطق بهذا وقد قال - ﷺ -:
" يرحم الله لوطاً، لقد كان يأوِي إلى رُكْن شديد، وفي الحديث: لم يبعث الله نبيئاً إلا في مَنَعة وعزة؟
والجواب: أنه خشي عليه السلام أنْ يمهل الله أولئك العصابة حتى يعصوه في
الأضياف، كما أمهلهم فيما قبل ذلك من معاصيهم، فتمنىِ ركْناً من البشر
يعاجِلهم، وهو يعلم أنَّ اللهَ تعالى مِنْ وراء عقابهم، وأيضاً فإنَّ قَوْمَه إنما يمنعونه هو لو أرادوه بضرٍّ، وقد كان المطيع فيهم قليلاً.
ولقد أصيب نبيّنا محمد - ﷺ - في غير ما موطن مِنْ شجِّ رأسه، وكَسْرِ رباعيته، وطَرح سلا الجزور على ظَهْره، ولم ينطق بشيء من ذلك عزامة منه ونجدة.
فإن قلت: لِمَ حذف من هذه الآية إن الزائدة في العنكبوت؟
والجواب: أنها كثيراً ما تزَاد، ولما وردت هذه الآية بلفظها مرتين، وردت
الثانية بزيادتها ليحصلَ بين التَّوَارُدين ما يرفع تثاقل اللفظ المتكرر.
فإن قلت: فإنه قد تباعد ما بين الآيتين، ومِثْل هذا لا يلحظ فيه ما
ذَكَرت؟
فأقول: لما كان اللفظُ اللفظَ، وكان زيادة " إن " وعدم زيادتها هنا مقيس
فصيح جيء بالجائزين معاً، وتأخرت الزيادة، إذ هي غير الأصل إلى المتأخر من الآيتين.
فإن قلت: إن قوله تعالى: (فلَمَّا أنْ جاء البَشير)، لم يقع فيه تكرار، فلِم زيد (أن) ولم يأت على الأصل؟
قلت: لما كان مجيء البشير إلى يعقوب عليه السلام بعد طول الزمن، وتَبَاعد
المدة، ناسب ذلك زيادة (أن) لما في مقتضى وَصْفِها من التراخي، فورَد كلّ
من هذا على ما يجب.