قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١)
لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة، وأن للزوج أخذ المال منها، عقب ذلك ذكر الفراق الذي سببه الزوج، والمنع من أخذ مالها مع ذلك، فهذا الذي في هذه الآية هو الذي يختص الزوج بإرادته، واختلف العلماء، إذا كان الزوجان يريدان الفراق، وكان منهما نشوز وسوء عشرة، فقال مالك رحمه الله: للزوج أن يأخذ منها إذا سببت الفراق، ولا يراعى تسبيبه هو، وقالت جماعة من العلماء:
لا يجوز له أخذ المال إلا أن تنفرد هي بالنشوز وبظلمه في ذلك، وقال بعض الناس: يخرج في هذه الآية جواز المغالاة بالمهور، لأن الله تعالى قد مثل بقنطار، ولا يمثل تعالى إلا بمباح، وخطب عمر بن الخطاب فقال: ألا لا تغالوا بمهور نسائكم، فإن الرجل يغالي حتى يكون ذلك في قلبه عداوة للمرأة، يقول:
تجشمت إليك علق القربة أو عرق القربة، فيروى أن امرأة كلمته من وراء الناس فقالت، كيف هذا؟ والله تعالى يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً قال: فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر، ويروى أنه قال: امرأة أصابت ورجل أخطأ، والله المستعان، وترك الإنكار، وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة بالمهور لأن التمثيل جاء على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله عليه السلام، من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة، فمعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص، وقد قال النبي عليه السلام لابن أبي حدرد- وقد جاء يستعينه في مهره- فسأله عن المهر، فقال: مائتين، فغضب رسول الله ﷺ وقال:
كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة أو جبل، الحديث- فاستقرأ بعض الناس من هذا منع المغالاة بالمهور.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يلزم، لأن هذا أحوج نفسه إلى الاستعانة والسؤال، وذلك مكروه باتفاق، وإنما المغالاة المختلف فيها مع الغنى وسعة المال، وقرأ ابن محيصن بوصل ألف «إحداهن»، وهي لغة تحذف على جهة التخفيف. ومنه قول الشاعر: [الطويل] ونسمع من تحت العجاج لها زملا وقول الآخر: [الكامل] إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وقد تقدم القول في قدر القنطار في سورة آل عمران، وقرأ أبو السمال «منه شيئا» بفتح الياء والتنوين، وهي قراءة أبي جعفر، والبهتان: مصدر في موضع الحال، ومعناه: محيرا لشنعته وقبح الأحدوثة والفعلة فيه.


الصفحة التالية
Icon