[النساء: ١٩] لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها، إلا قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً والعدوان: تجاوز الحد، ونُصْلِيهِ معناه: نمسه حرها، كما تعرض الشاة المصلية، أي نحرقه بها، وقرأ الأعمش والنخعي، «نصليه» بفتح النون، وقراءة الجمهور بضم النون على نقل صلى بالهمز، وقراءة هذين على لغة من يقول: صليته نارا، بمعنى أصليته، وحكى الزجّاج أنها قد قرئت «نصلّيه» بفتح الصاد وشد اللام المكسورة ويسير ذلك على الله عز وجل، لأن حجته بالغة، وحكمه لا معقب له.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ٣١]
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)
تَجْتَنِبُوا معناه: تدعون جانبا، وقرأ ابن مسعود وابن جبير «إن تجتنبوا كبير» وقرأ المفضل عن عاصم «يكفّر» و «يدخلكم» على علامة الغائب، وقرأ الباقون بالنون والقراءتان حسنتان، وقرأ ابن عباس «عنكم من سيئاتكم» بزيادة «من» وقرأ السبعة سوى نافع «مدخلا» بضم الميم، وقرأ نافع: «مدخلا» بالفتح وقد رواه أيضا أبو بكر عن عاصم هاهنا وفي الحج، ولم يختلف في سورة بني إسرائيل في مُدْخَلَ ومُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: ٨٠] أنهما بضم الميم، قال أبو علي: «مدخلا» بالفتح يحتمل أن يكون مصدرا، والعامل فيه فعل يدل عليه الظاهر، التقدير: ويدخلكم فتدخلون مدخلا، ويحتمل أن يكون مكانا، فيعمل فيه الفعل الظاهر، وكذلك يحتمل «مدخلا» بضم الميم للوجهين، وإذا لم يعمل الفعل الظاهر فمعموله الثاني محذوف، تقديره: ويدخلكم الجنة، واختلف أهل العلم في «الكبائر»، فقال علي بن أبي طالب: هي سبع، الإشراك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وقال عبيد بن عمير: الكبائر سبع في كل واحدة منها آية في كتاب الله عز وجل.
قال القاضي أبو محمد: وذكر كقول علي، وجعل الآية في التعرب قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى [محمد: ٢٥]، ووقع في البخاري في كتاب الحدود في باب رمي المحصنات «اتقوا السبع الموبقات، الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» وقال عبد الله بن عمر: هي تسع «الإشراك بالله، والقتل، والفرار، والقذف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد الحرام، والذي يستسحر، وبكاء الوالدين من العقوق» قال عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي: هي في جميع ما نهى عنه من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها وهي إِنْ تَجْتَنِبُوا وقال عبد الله بن مسعود: هي أربع أيضا الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وروي أيضا عن ابن مسعود: هي ثلاث: القنوط، واليأس، والأمن المتقدمة، وقال ابن عباس أيضا وغيره: «الكبائر» كل ما


الصفحة التالية
Icon