قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ، وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ، إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ، وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَةِ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَوَانَوْا وَتَكَاسَلُوا فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، لِأَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِمُ الْعَذَابُ، بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَقْوَامَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا كَانُوا ثُمَّ بِالْآخِرَةِ نَزَلَ ذَلِكَ الْعِقَابُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَخْوِيفُ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ نُزُولِ الْعِقَابِ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرَ اللَّهُ سِتَّةَ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ أَوَّلُهُمْ قَوْمُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمَّا كَذَّبُوا نُوحًا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْغَرَقِ وَالطُّوفَانُ والثاني:
عاد قَوْمُ هُودٍ لَمَّا كَذَّبُوهُ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ وَالثَّالِثُ: فِرْعَوْنُ لَمَّا كَذَّبَ مُوسَى أَهْلَكَهُ اللَّهُ مَعَ قَوْمِهِ بِالْغَرَقِ وَالرَّابِعُ:
ثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ لَمَّا كَذَّبُوهُ فَأُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ وَالْخَامِسُ: قَوْمُ لُوطٍ كذبوه فأهلكوا بِالْخَسْفِ وَالسَّادِسُ: أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ كَذَّبُوهُ فَأُهْلِكُوا بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ، قَالُوا وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ بِكَوْنِهِ ذَا الْأَوْتَادِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ ثَبَاتِ الْبَيْتِ الْمُطْنَبِ بِأَوْتَادِهِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِإِثْبَاتِ الْعِزِّ وَالْمُلْكِ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ غَنُوا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ | فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الْأَوْتَادِ |