إِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ تَثْبُتُ عِصْمَتُهُ وَلَمَّا لَمْ يَكُونَا مَعْصُومَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَجَبَ أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ إِمَامَتُهُمَا الْبَتَّةَ. الثَّالِثُ:
قَالُوا: كَانَا مُشْرِكَيْنِ، وَكُلُّ مُشْرِكٍ ظَالِمٌ وَالظَّالِمُ لَا يَنَالُهُ عَهْدُ الْإِمَامَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنَالَهُمَا عَهْدُ الْإِمَامَةِ، أَمَّا أَنَّهُمَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَبِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمُشْرِكَ ظَالِمٌ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: ١٣] وَأَمَّا أَنَّ الظَّالِمَ لَا يَنَالُهُ عَهْدُ الْإِمَامَةِ فَلِهَذِهِ الْآيَةِ، لَا يُقَالُ إِنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ حَالَ كُفْرِهِمَا، فَبَعْدَ زَوَالِ الْكُفْرِ لَا يَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِأَنَّا نَقُولُ الظَّالِمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ، وَقَوْلُنَا: وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِنَا وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ بِالتَّقْسِيمِ بِالْقِسْمَيْنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ القسمين وما كان مشتركاً بين القسمين لا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ ظَالِمًا فِي الْحَالِ نَفْيُ كَوْنِهِ ظَالِمًا وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرًا إِلَى الدَّلَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ النَّائِمَ يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ غَيْرُ حَاصِلٍ حَالَ كَوْنِهِ نَائِمًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مُؤْمِنًا لِأَنَّ الْإِيمَانَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا لِظُلْمٍ وُجِدَ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ عِبَارَةٌ عَنْ حُرُوفٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَالْمَشْيُ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فِي أَحْيَازٍ مُتَعَاقِبَةٍ، فَمَجْمُوعُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْبَتَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا، فَلَوْ كَانَ حُصُولُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ شَرْطًا فِي كَوْنِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمَاشِي وَأَمْثَالِهِمَا حَقِيقَةً فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا/ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لَيْسَ شَرْطًا لِكَوْنِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً؟ وَالْجَوَابُ: كُلُّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ، بِمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى كَافِرٍ فَسَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ مُؤْمِنٍ فِي الْحَالِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا قَبْلُ بِسِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّ التَّائِبَ عَنِ الْكُفْرِ لَا يُسَمَّى كَافِرًا وَالتَّائِبَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُسَمَّى عَاصِيًا، فَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَظَائِرِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هُودٍ: ١١٣] فَإِنَّهُ نَهَى عَنِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ حَالَ إِقَامَتِهِمْ عَلَى الظُّلْمِ، وَقَوْلُهُ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التَّوْبَةِ: ٩١] مَعْنَاهُ: مَا أَقَامُوا عَلَى الْإِحْسَانِ، عَلَى أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِمَامَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: النُّبُوَّةُ، فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلنُّبُوَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: الْفَاسِقُ حَالَ فِسْقِهِ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْفِسْقَ الطَّارِئَ هَلْ يُبْطِلُ الْإِمَامَةَ أَمْ لَا؟ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَصْلُحُ أَنْ تُعْقَدَ لَهُ الْإِمَامَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: مَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي وَقَوْلَهُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي طَلَبٌ لِلْإِمَامَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْعَهْدِ هُوَ الْإِمَامَةُ، لِيَكُونَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، فَتَصِيرُ الْآيَةُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا يَنَالُ الْإِمَامَةُ الظَّالِمِينَ، وَكُلُّ عَاصٍ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى مَا قُلْنَاهُ، فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ كَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ، قُلْنَا: أَمَّا الشِّيعَةُ فَيَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فِي وُجُوبِ الْعِصْمَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: مُقْتَضَى الْآيَةِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّا تَرَكْنَا اعْتِبَارَ الْبَاطِنِ فَتَبْقَى الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ مُعْتَبَرَةً، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] وَقَالَ آدَمُ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الْأَعْرَافِ: ٢٣] قُلْنَا: الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ هُوَ الظُّلْمُ الْمُطْلَقُ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي آدَمَ وَيُونُسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَهْدَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، قَالَ الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: ٦٠] يَعْنِي أَلَمْ آمُرْكُمْ بِهَذَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالُوا إِنَّ اللَّهَ