من حيث إنه لم تمته الذّنوب، كما أماتت كثيرا من ولد آدم صلّى الله عليه وسلم، لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإنّ هذا قليل الفائدة. وقوله عزّ وجلّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس/ ٣١]، أي: يخرج الإنسان من النّطفة، والدّجاجة من البيضة، ويخرج النّبات من الأرض، ويخرج النّطفة من الإنسان. وقوله عزّ وجلّ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
[النساء/ ٨٦]، وقوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النور/ ٦١]، فَالتَّحِيَّة أن يقال: حيّاك الله، أي: جعل لك حياة، وذلك إخبار، ثم يجعل دعاء. ويقال: حَيَّا فلان فلانا تَحِيَّة إذا قال له ذلك، وأصل التّحيّة من الحياة، ثمّ جعل ذلك دعاء تحيّة، لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة إمّا في الدّنيا، وأمّا في الآخرة، ومنه «التّحيّات لله» «١» وقوله عزّ وجلّ: وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ [البقرة/ ٤٩]، أي: يستبقونهنّ، والحَياءُ:
انقباض النّفس عن القبائح وتركه، لذلك يقال:
حيي فهو حيّ «٢»، واستحيا فهو مستحي، وقيل:
استحى فهو مستح، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة/ ٢٦]، وقال عزّ وجلّ: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب/ ٥٣]، وروي: «إنّ الله تعالى يستحي من ذي الشّيبة المسلم أن يعذّبه» «٣» فليس يراد به انقباض النّفس، إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك وإنّما المراد به ترك تعذيبه، وعلى هذا ما روي: «إنّ الله حَيِيٌّ» «٤» أي: تارك للقبائح فاعل للمحاسن.
عارضة الأحوذي ٢/ ٨٣، ومعالم السنن ١/ ٢٢٦)، وابن ماجة برقم (٨٩٩)، والنسائي ٢/ ٢٤٠ في التشهد.
(٢) انظر: الأفعال ١/ ٣٧٢.
(٣) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله يستحي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام».
قال العجلوني: هكذا ذكره الغزالي في الدرّة الفاخرة، ورواه السيوطي في الجامع الكبير عن ابن النجار بسند ضعيف. راجع: كشف الخفاء ١/ ٢٤٤.
(٤) الحديث عن سلمان عن النبي قال: «إنّ الله حييّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم. قال البغوي: هذا حديث حسن غريب.
وقال ابن حجر: سنده جيد. راجع: فتح الباري ١١/ ١٤٣، وشرح السنة ٥/ ١٨٥، وسنن ابن ماجة ٢/ ١٢٧١، وسنن أبي داود برقم (١٤٨٨) كتاب الصلاة، باب الدعاء، وعارضة الأحوذي ١٣/ ٦٨، والحاكم ١/ ٤٩٧، وانظر:
الفتح الكبير ١/ ٣٣٣.
وفي حديث آخر: «إنّ الله تعالى حييّ ستّير، يحبّ الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢٢٤، وأبو داود برقم ٤٠١٢ والنسائي ١/ ٢٠٠، وانظر: الفتح الكبير ١/ ٣٣٣.