وكذا قوله: ويل أمّه «١»، وكذا: هوت أمّه «٢» والأمّ قيل: أصله: أمّهة، لقولهم جمعا: أمهات، وفي التصغير: أميهة «٣».
وقيل: أصله من المضاعف لقولهم: أمّات وأميمة. قال بعضهم: أكثر ما يقال أمّات في البهائم ونحوها، وأمهات في الإنسان.
والأُمّة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها:
أمم، وقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام/ ٣٨] أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسّرفة «٤»، ومدّخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.
وقوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة/ ٢١٣] أي: صنفا واحدا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر، وقوله: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [هود/ ١١٨] أي: في الإيمان، وقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ ١٠٤] أي: جماعة يتخيّرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف/ ٢٢] أي: على دين مجتمع. قال:
٢٥-
وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
«٥» وقوله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف/ ٤٥] أي: حين، وقرئ (بعد أمه) «٦» أي: بعد نسيان. وحقيقة ذلك: بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
وقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النحل/ ١٢٠] أي: قائما مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. وروي:
«أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمّة وحده» «٧».
(٢) قال ابن بري: قوله: هوت أمّه يستعمل على جهة التعجب كقولهم: قاتله الله ما أسمعه!.
(٣) لأنّ الجمع والتصغير يردّان الأشياء لأصولها، فأصلها هاء على هذا. وهذا قول الخليل في العين ٨/ ٤٢٤.
(٤) هي دويبّة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، وهي التي يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سرفة.
(٥) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وهو في ديوانه ص ٨١، والغريبين ١/ ٩٣، واللسان (أمم).
(٦) وهي مروية عن شبيل بن عزرة الضبعي، وهي قراءة شاذة. راجع القرطبي ٩/ ٢٠١، وإعراب القرآن للنحاس ٢/ ١٤٣.
(٧) الحديث في مسند الطيالسي ص ٣٢ عن سعيد بن زيد أنه قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: إنّ أبي كان كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال: «نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده». راجع الإصابة ١/ ٧٠، وأخرجه أبو يعلى، وإسناده حسن، انظر:
مجمع الزوائد ٩/ ٤٢٠.