اللذين بهما كمال العبد فقال:
﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧]
فوصفه بالقوة العظيمة على ما أمر الله، وبأنه أواب لكمال معرفته بالله.
وكان الله تعالى قد سخَّر له الطير والجبال تسبِّح الله معه، وكان قد أُعطي من حسن الصوت ورخامته ما لم يؤت أحد من العالمين، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما، وكان إذا لاقى العدو رأى الخلق من شجاعته ما يعجب الناظرين، وقد ألان الله له الحديد، وعلَّمه صنعة الدروع الواقية في الحروب، وهو أول من صنع الدروع السردية ذوات الحلق التي يحصل فيها الوقاية وهي خفيفة المحمل، وقد عاتبه الله بسبب ذنب أذنبه بأن أرسل إليه ملكين بصورة خصمين، فدخلا عليه وهو في محرابه ففزع منهما؛ لأنهما دخلا عليه في وقت لا يدخل عليه فيه أحد، وتسورا المحراب وقالا:
﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢]
ثم قص عليه أحدهما القصة فقال: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة - والمراد بها المرأة - ولي نعجة واحدة، فقال: أَكفلنيها، وعزني في الخطاب، أي: صار خطابه أقوى مني فغلبني، فقال داود عليه السلام: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وعلم داود أنه هو المراد بهذه القضية فانتبه لذلك:
﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ - فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٤ - ٢٥]