بالأكل والشرب يدل على الوجوب، وأن العبد لا يحل له ترك ذلك شرعا، كما لا يتمكن من ذلك قدرا ما دام عقله معه، وأن الأكل والشرب مع نية امتثال أمر الله يكون عبادة، وأن الأصل في جميع المأكولات والمشروبات الإباحة، إلا ما نص الشارع على تحريمه لضرره لإطلاق ذلك، وعلى أن كل أحد يأكل ما ينفعه ويناسبه ويليق به، ويوافق لغناه وفقره، ويوافق لصحته ومرضه ولعادته وعدمها، ولأنه حذف المأكول، والآية ساقها الله لإرشاد العباد إلى منافعهم، وهي تدل على ذلك كله، وعلى أن أصل صحة البدن تدبير الغذاء بأن يأكل ويشرب ما ينفعه، ويقيم صحته وقوته، وعلى الأمر بالاقتصاد في الغذاء والتدبير الحسن؛ لأنه لما أمر بالأكل والشرب نهى عن السرف، وعلى أن السرف منهي عنه، وخصوصا في الأطعمة والأشربة، فإن السرف يضر الدين والعقل والبدن والمال.
أما ضرره الديني فكل من ارتكب ما نهى الله ورسوله عنه فقد انجرح دينه، وعليه أن يداوي هذا الجرح بالتوبة والرجوع.
وأما ضرره العقلي فإن العقل يحمل صاحبه أن يفعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، ويوجب له أن يدبر حياته ومعاشه؛ ولهذا كان حسن التدبير في المعاش من أبلغ ما يدل على عقل صاحبه، فمن تعدى الطور النافع إلى طور الإسراف الضار فلا ريب أن ذلك لنقص عقله، فإنه يستدل على نقص العقل بسوء التدبير.
وأما ضرره البدني فإن من أسرف بكثرة المأكولات والمشروبات انضر بدنه واعتراه أمراض خطرة، وكثير من الأمراض إنما تحدث بسبب الإسراف في الغذاء، ثم إنه ينضرُّ أيضا من وجه آخر، فإن من عوَّد بدنه شيئا اعتاده، فإذا عوَّده كثرة الأكل أو أكل الأطعمة المتنوعة فربما تعذرت في بعض الأحوال لفقر


الصفحة التالية
Icon