على الإيمان بالله، وتحقيقه بالانقياد لله امتثالا لأمره واجتنابا لنهيه؛ وتنبيه أيضا على أن موانع الإجابة ترك تحقيق الإيمان وترك الانقياد، فأكل الحرام وعمل المعاصي من موانع الإجابة، وهي تنافي الاستجابة لله، وفيه تنبيه على أن الإيمان بالله والاستجابة له سبب إلى حصول العلم، لأن الرشد هو الهدى التام علما وعملا، ونظير هذا قوله تعالى:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] أي: علما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين كل ما يحتاج إلى تفصيله.
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] إلى قوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧]
كان أول ما فرض الصيام منع المسلمون من الأكل والشرب في الليل إذا ناموا، فحصلت المشقة لكثير منهم، فخفف الله ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم؛ لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به لو بقي الأمر على ما كان أولا، فتاب الله عليكم بأن وسع لكم أمرا لولا توسعته لكان داعيا إلى الإثم والإقدام على المعاصي، وعفا عنكم ما سلف من التخون.
﴿فَالْآنَ﴾ [البقرة: ١٨٧] بعد هذه الرخصة والسعة من الله ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] وطئا وقبلة ولمسا، ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: اقصدوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله بذلك، واقصدوا أيضا حصول الذرية وإعفاف الفرج وحصول جميع مقاصد النكاح؛ وابتغوا أيضا ليلة القدر، فإياكم أن تشتغلوا بهذه اللذة وتوابعها وتضيعوا ليلة القدر، وهي مما كتبه الله لهذه الأمة، وفيها من الخير العظيم ما يعد تفويته من أعظم الخسران، فاللذة مدركة، وليلة القدر إذا فاتت لم تدرك، ولم يعوض عنها شيء.