﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: ٧٢]
[٧٣] ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣] يَعْنِي: الْمُرْقُوسِيَّةَ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: ثَالِثُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْإِلَهِيَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْيَمَ وَعِيسَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَهٌ فَهُمْ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ، يُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَسِيحِ: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] ؟ ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ﴾ [المائدة: ٧٣] لِيُصِيبُنَّ، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٣] خَصَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لِعِلْمِهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
[٧٤] ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ [المائدة: ٧٤] قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا أَمْرٌ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٩١] أَيِ: انْتَهُوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤]
[٧٥] ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [المائدة: ٧٥] مضت، ﴿مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [المائدة: ٧٥] أَيْ: لَيْسَ هُوَ بِإِلَهٍ بَلْ هُوَ كَالرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ يكونوا آلهة، ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] أَيْ: كَثِيرَةُ الصِّدْقِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صِدِّيقَةً لِأَنَّهَا صَدَّقَتْ بِآيَاتِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَصْفِهَا: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾ [التَّحْرِيمِ: ١٢] ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥] أَيْ: كَانَا يَعِيشَانِ بِالطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ كَسَائِرِ الْآدَمِيِّينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَنْ لَا يُقِيمُهُ إِلَّا أَكْلُ الطَّعَامِ؟! وَقِيلَ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْحَدَثِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا؟ ثُمَّ قَالَ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة: ٧٥] أَيْ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ.
[٧٦] ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: ٧٦]
[قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ] غَيْرَ الْحَقِّ....
[٧٧] ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٧٧] أَيْ: لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ وَالْغُلُوُّ وَالتَّقْصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٧٧] أَيْ: فِي دِينِكُمُ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْحَقَّ فِي دِينِهِمْ، ثُمَّ غَلَوْا فِيهِ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٧٧] وَالْأَهْوَاءُ جَمْعُ الْهَوَى وَهُوَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ شَهْوَةُ النَّفْسِ ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ﴾ [المائدة: ٧٧] يَعْنِي: رُؤَسَاءَ الضَّلَالَةِ مِنْ فَرِيقَيِ اليهود والنصارى، والخطاب للذين كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُهُوا عَنِ اتِّبَاعِ أَسْلَافِهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ بِأَهْوَائِهِمْ، ﴿وَأَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [المائدة: ٧٧] يَعْنِي: مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ، ﴿وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٧٧] عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ، أَيْ: بِالْإِضْلَالِ، فَالضَّلَالُ الْأَوَّلُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالثَّانِي بإضلال من اتبعهم.
[٧٨] ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ﴾ [المائدة: ٧٨] يَعْنِي: أَهْلَ أَيْلَةَ لَمَّا اعْتَدَوْا فِي