﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] تُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ.
[٩٦] ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] شَاقُّ عَمُودِ الصُّبْحِ عَنْ ظُلْمَةِ الليل وكاشفه، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَالِقُ النَّهَارِ، وَالْإِصْبَاحُ مَصْدَرٌ كَالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَهُوَ الْإِضَاءَةُ وأراد به الصبح وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنَ النهار، يريد ومبدي الصبح وموضحه، ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] يَسْكُنُ فِيهِ خَلْقُهُ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: (وَجَعَلَ) عَلَى الْمَاضِي، (اللَّيْلَ)، نُصِبَ اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ، وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ النخعي (فلق الإصباح)، ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] أَيْ: جَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ لَا يُجَاوِزَانِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَا إِلَى أَقْصَى مَنَازِلِهِمَا، وَالْحُسْبَانُ مَصْدَرٌ كالسحاب، وقيل: جمع حساب، ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦]
[٩٧]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ﴾ [الأنعام: ٩٧] أَيْ: خَلَقَهَا لَكُمْ، ﴿لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٩٧] وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ النُّجُومَ لِفَوَائِدٍ، أَحَدُهَا: هَذَا وَهُوَ أَنَّ رَاكِبَ السفينة وَالسَّائِرَ فِي الْقِفَارِ يَهْتَدِي بِهَا فِي اللَّيَالِي إِلَى مَقَاصِدِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا زِينَةٌ لِلسَّمَاءِ كَمَا قَالَ ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: ٥] ومنها رمي الشيطان، كَمَا قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الْمُلْكِ: ٥] ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٧]
[٩٨]، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٨] خَلَقَكُمْ وَابْتَدَأَكُمْ ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأنعام: ٩٨] يَعْنِي: آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ (فَمُسْتَقِرٌّ) بِكَسْرِ الْقَافِ، يَعْنِي: فَمِنْكُمْ مُسْتَقِرٌّ وَمِنْكُمْ مُسْتَوْدَعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ، أَيْ: فَلَكُمْ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ إِلَى أَنْ يُولَدَ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الْقَبْرِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تزوجت؟ قلت: لا، قال: أما إنه ما كان مستودعا في ظهرك فسيخرجه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مُسْتَقَرٌّ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَقِيلَ: مُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ وَمُسْتَوْدَعٌ فَوْقَ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الْحَجِّ: ٥] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُسْتَقَرٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا وَمُسْتَوْدَعٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٣٦] وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُسْتَقَرُّ في القبر وَالْمُسْتَوْدَعُ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْتَ وَدِيعَةٌ فِي أَهْلِكَ وَيُوشِكُ أَنْ تَلْحَقَ بِصَاحِبِكَ، وَقِيلَ: الْمُسْتَوْدَعُ الْقَبْرُ وَالْمُسْتَقَرُّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ في صفة أهل الجنة: ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: ٧٦] وفي صفة أهل النار: ﴿سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٦٦] ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٩٨]
[٩٩]، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] أَيْ: بِالْمَاءِ، ﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ﴾ [الأنعام: ٩٩] مِنَ الْمَاءِ، وَقِيلَ: مِنَ النَّبَاتِ، ﴿خَضِرًا﴾ [الأنعام: ٩٩] يَعْنِي: أَخْضَرَ، مِثْلُ الْعَوِرِ وَالْأَعْوَرِ، يَعْنِي: مَا كَانَ رَطْبًا أَخْضَرَ مِمَّا يَنْبُتُ مِنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا، ﴿نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا﴾ [الأنعام: ٩٩] أي: متراكبا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، مِثْلُ سَنَابِلِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَسَائِرِ الْحُبُوبِ، ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا﴾ [الأنعام: ٩٩] وَالطَّلْعُ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثمر النخل، ﴿قِنْوَانٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] جَمْعُ قِنْوٍ وَهُوَ الْعِذْقُ، مِثْلُ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا في الكلام، ﴿دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] أَيْ: قَرِيبَةُ الْمُتَنَاوَلِ يَنَالُهَا الْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُتَدَلِّيَةٌ، وَقَالَ الضحاك: قصار ملتزمة بِالْأَرْضِ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ مَعْنَاهُ: وَمِنَ النَّخْلِ مَا قِنْوَانُهَا دَانِيَةٌ وَمِنْهَا مَا هِيَ بَعِيدَةٌ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْقَرِيبَةِ عَنِ الْبَعِيدَةِ لِسَبْقِهِ إِلَى الْأَفْهَامِ، كَقَوْلِهِ


الصفحة التالية
Icon