بِاللَّيْلِ. وَقِيلَ: هُوَ الزِّنَا سِرًّا وعلانية ﴿وَالْإِثْمَ﴾ [الأعراف: ٣٣] يَعْنِي: الذَّنْبَ وَالْمَعْصِيَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الذَّنْبُ الَّذِي لَا حَدَّ فِيهِ. قَالَ الْحَسَنُ: الْإِثْمُ: الْخَمْرُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذَاكَ الْإِثْمُ تَذْهَبُ بِالْعُقُولِ
﴿وَالْبَغْيَ﴾ [الأعراف: ٣٣] الظُّلْمَ وَالْكِبْرَ، ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ [الأعراف: ٣٣] حُجَّةً وَبُرْهَانًا، ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] فِي تَحْرِيمِ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ الْقَوْلِ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ.
[٣٤] ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ [الأعراف: ٣٤] مُدَّةٌ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْحُسْنُ: يَعْنِي وَقْتًا لِنُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٤] وَانْقَطَعَ أَكْلُهُمْ، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] أي: لا يَتَقَدَّمُونَ. وَذَلِكَ حِينَ سَأَلُوا الْعَذَابَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
[٣٥] قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأعراف: ٣٥] أَيْ: أَنْ يَأْتِيَكُمْ. قِيلَ: أَرَادَ جَمِيعَ الرُّسُلِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرَادَ بقوله ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف: ٣٥] مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَبِالرُّسُلِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ [الأعراف: ٣٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ [الأعراف: ٣٥] أَيْ: اتَّقَى الشِّرْكَ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ. وَقِيلَ: أَخْلَصَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ربه ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ٣٥] إِذَا خَافَ النَّاسُ، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٣٥] أَيْ: إِذَا حَزِنُوا.
[٣٦] ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾ [الأعراف: ٣٦] تَكْبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاسْتِكْبَارَ لِأَنَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ وَكَافِرٍ مُتَكَبِّرٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٣٥] ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦]
[٣٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأعراف: ٣٧] جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا، ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ [الأعراف: ٣٧] بِالْقُرْآنِ ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [الأعراف: ٣٧] أَيْ: حَظُّهُمْ مِمَّا كَتَبَ لَهُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: مَا كَتَبَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ سَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ. قَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُتِبَ لِمَنْ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ أَنَّ وَجْهَهُ مُسْوَدٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠] وقال سعيد ابن جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي أَعْمَالُهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ يَجْزِي عَلَيْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: مَا كَتَبَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ والأعمار وَالْأَعْمَالِ فَإِذَا فَنِيَتْ، ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٧] يَقْبِضُونَ أَرْوَاحَهُمْ يَعْنِي مَلَكَ الْمَوْتِ وأعوانه، ﴿قَالُوا﴾ [الأعراف: ٣٧] يعني يقول الرسل للكفار، ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ﴾ [الأعراف: ٣٧] تعبدون، ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٣٧] سُؤَالَ تَبْكِيتٍ وَتَقْرِيعٍ، ﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾ [الأعراف: ٣٧] بَطَلُوا وَذَهَبُوا عَنَّا، ﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف: ٣٧] اعْتَرَفُوا عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ، ﴿أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٣٧]
[قوله تعالى قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ] مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ.....
[٣٨] ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾ [الأعراف: ٣٨] يَعْنِي: يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ، أَيْ: مع جماعات، ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ [الأعراف: ٣٨] ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ﴾ [الأعراف: ٣٨] يَعْنِي كُفَّارَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] يُرِيدُ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ لَا فِي النَّسَبِ، فَتَلْعَنُ الْيَهُودُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى النَّصَارَى، وَكُلُّ فِرْقَةٍ تَلْعَنُ أُخْتَهَا وَيَلْعَنُ الْأَتْبَاعُ الْقَادَةَ، وَلَمْ يَقُلْ أَخَاهَا لِأَنَّهُ عَنَى الْأُمَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] أَيْ: تَدَارَكُوا وَتَلَاحَقُوا وَاجْتَمَعُوا فِي النار، ﴿جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي أُخْرَاهُمْ دُخُولًا النار وهم الأتباع، ﴿لِأُولَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٨] أَيْ: لِأُولَاهُمْ دُخُولًا وَهُمُ الْقَادَةُ، لِأَنَّ الْقَادَةَ يَدْخُلُونَ النَّارَ أَوَّلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي آخَرَ كُلِّ أُمَّةٍ لِأُولَاهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَهْلُ آخِرِ الزَّمَانِ


الصفحة التالية
Icon