تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أَيْ: بِأَمْرِهِمْ ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩]
[١٠] ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ [يونس: ١٠] أَيْ: قَوْلُهُمْ وَكَلَامُهُمْ، وَقِيلَ: دُعَاؤُهُمْ، ﴿فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] وَهِيَ كَلِمَةُ تَنْزِيهٍ، تُنَزِّهُ اللَّهَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَرَوَيْنَا: «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ» (١) قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَامَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْخَدَمِ فِي الطَّعَامِ فَإِذَا أَرَادُوا الطَّعَامَ قَالُوا: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] فَأَتَوْهُمْ فِي الْوَقْتِ بِمَا يَشْتَهُونَ عَلَى الْمَوَائِدِ، كُلُّ مَائِدَةٍ مِيلٌ فِي مِيلٍ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ صَحْفَةٍ، وَفِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَمِدُوا اللَّهَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠] أَيْ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ، وَقِيلَ: تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ، وَقِيلَ: تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ بِالسَّلَامِ، ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] يُرِيدُ يَفْتَتِحُونَ كَلَامَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ وَيَخْتِمُونَهُ بِالتَّحْمِيدِ.
[١١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ عِنْدَ الْغَضَبِ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ: لَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَلَا بَارَكَ الله فِيكُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ، مَعْنَاهُ: لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ النَّاسَ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ فِي الشَّرِّ وَالْمَكْرُوهِ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ، أَيْ: كَمَا يُحِبُّونَ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ، ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يُونُسَ: ١١] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: (لَقَضَى) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالضَّادِ، (أَجَلَهُمْ) نُصِبَ، أي: لأهلك من دعي عَلَيْهِ وَأَمَاتَهُ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: (لَقُضِيَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ (أَجَلُهُمْ) رُفِعَ، أَيْ: لَفَرَغَ مِنْ هَلَاكِهِمْ وَمَاتُوا جَمِيعًا، وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ علينا حجارة من السماء، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ١١] لَا يَخَافُونَ الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [يونس: ١١]
[١٢] ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ﴾ [يونس: ١٢] الجهد والشدة، ﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ﴾ [يونس: ١٢] أَيْ: عَلَى جَنْبِهِ مُضْطَجِعًا، ﴿أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] يُرِيدُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْدُو إِحْدَى هَذِهِ الحالات، ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ [يونس: ١٢] دَفَعْنَا، ﴿عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢] أَيِ اسْتَمَرَّ عَلَى طَرِيقَتِهِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الضُّرُّ، وَنَسِيَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْبَلَاءِ، كَأَنَّهُ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ أَيْ: لَمْ يَطْلُبْ مِنَّا كَشْفَ ضُرٍّ مَسَّهُ، ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [يونس: ١٢] الْمُجَاوِزِينَ الْحَدَّ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٢] مِنَ الْعِصْيَانِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
_________
(١) رواه مسلم في الجنة، وصفة نعيمها رقم (٢٨٣٥) ٤ / ٢١٨٠..