[٢٤] ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾ [هود: ٢٤] الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، ﴿كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود: ٢٤] قَالَ الْفَرَّاءُ، لَمْ يَقُلْ هَلْ يَسْتَوُونَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى وَالْأَصَمَّ فِي حَيِّزٍ كَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ وَصْفِ الْكَافِرِ، وَالْبَصِيرَ وَالسَّمِيعَ فِي حَيِّزٍ كَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ وصف المؤمن، ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: ٢٤] أَيْ: تَتَّعِظُونَ.
[٢٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [هود: ٢٥] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ (أَنِّي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: بِأَنِّي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: فَقَالَ إِنِّي؛ لِأَنَّ فِي الْإِرْسَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.
[٢٦] ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [هود: ٢٦] أي: مؤلم ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ١٤] أَيْ: فَلَبِثَ فِيهِمْ دَاعِيًا.
[٢٧] ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ [هود: ٢٧] والملأ هم الأشراف والرؤساء. ﴿مَا نَرَاكَ﴾ [هود: ٢٧] يا نوح، ﴿إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧] آدميًّا، ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ [هود: ٢٧] سَفَلَتُنَا، وَالرَّذْلُ: الدُّونُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَرْذُلٌ، ثُمَّ يُجْمَعُ عَلَى أَرَاذِلَ، مِثْلَ كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ وَأَكَالِبَ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ. ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١] يَعْنِي: السَّفَلَةَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْحَاكَةُ والأساكفة، ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود: ٢٧] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (بَادِئَ) بِالْهَمْزِ، أَيْ: أَوَّلَ الرَّأْيِ، يُرِيدُونَ أَنَّهُمُ اتَّبَعُوكَ فِي أَوَّلِ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَتَفَكُّرٍ، وَلَوْ تَفَكَّرُوا لَمْ يَتَّبِعُوكَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَيْ ظَاهِرَ الرَّأْيِ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَدَا الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ اتَّبَعُوكَ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَدَبَّرُوا وَيَتَفَكَّرُوا بَاطِنًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: رَأْيَ الْعَيْنِ، ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧]
[٢٨] ﴿قَالَ﴾ [هود: ٢٨] نُوحٌ ﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ [هود: ٢٨] بَيَانٍ، ﴿مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً﴾ [هود: ٢٨] أَيْ: هُدًى وَمَعْرِفَةً، ﴿مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] أَيْ: خَفِيَتْ وَالْتَبَسَتْ عَلَيْكُمْ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (فَعُمِّيَتْ) عَلَيْكُمْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: شبهت ولبست عليكم. ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هود: ٢٨] أَيْ: أَنُلْزِمُكُمُ الْبَيِّنَةَ وَالرَّحْمَةَ، ﴿وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود: ٢٨] لَا تُرِيدُونَهَا، قَالَ قَتَادَةُ: لَوْ قَدَرَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يلزموا قومهم لألزموا، ولكن لم يقدروا.
[قوله تعالى وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ] إِلَّا عَلَى اللَّهِ.....
[٢٩] قَوْلُهُ: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا﴾ [هود: ٢٩] أَيْ: عَلَى الْوَحْيِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ [هود: ٢٩] مَا ثَوَابِي، ﴿إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [هود: ٢٩] هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ طَرْدَ الْمُؤْمِنِينَ، ﴿أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦] أَيْ: صَائِرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فِي الْمَعَادِ فَيَجْزِي مَنْ طَرَدَهُمْ، ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [هود: ٢٩]
[٣٠] ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٣٠] مَنْ يَمْنَعُنِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، ﴿إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: ٣٠] تَتَّعِظُونَ.
[٣١] ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] فَآتِي مِنْهَا مَا تَطْلُبُونَ، ﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [هود: ٣١] فَأُخْبِرُكُمْ بِمَا تُرِيدُونَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لِنُوحٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ إِنَّمَا اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ مَا تَرَى مِنْهُمْ، قَالَ نوح مجيبًا لَهُمْ: لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ غُيُوبِ اللَّهِ الَّتِي يَعْلَمُ مِنْهَا مَا يُضْمِرُ النَّاسُ، وَلَا أعلم الغيب فأعلم ما يسرونه فِي نُفُوسِهِمْ، فَسَبِيلِي قَبُولُ مَا ظَهَرَ مِنْ إِيمَانِهِمْ، ﴿وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [هود: ٣١] هذا جواب قولهم: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧] ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ [هود: ٣١] أي: تحتقرهم وتستصغرهم أَعْيُنُكُمْ، يَعْنِي - الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُمْ أَرَاذِلُنَا، ﴿لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا﴾ [هود: ٣١] أَيْ: تَوْفِيقًا وَإِيمَانًا وَأَجْرًا، ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [هود: ٣١] مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنِّي، ﴿إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٣١] لَوْ قُلْتُ هَذَا.
[٣٢] ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ [هود: ٣٢] خَاصَمْتَنَا،