مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، ﴿فَاصْبِرْ﴾ [هود: ٤٩] عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَمَا تَلْقَى مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ كَمَا صَبَرَ نُوحٌ، ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ﴾ [هود: ٤٩] آخِرَ الْأَمْرِ بِالسَّعَادَةِ وَالنُّصْرَةِ ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] لأهل التقوى.
[٥٠] قوله تعالى ﴿وَإِلَى عَادٍ﴾ [هود: ٥٠] أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ، ﴿أَخَاهُمْ هُودًا﴾ [هود: ٥٠] فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [هود: ٥٠] وَحِّدُوا اللَّهَ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ [هود: ٥٠] مَا أَنْتُمْ فِي إِشْرَاكِكُمْ إِلَّا كَاذِبُونَ.
[٥١] ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ٥١] أَيْ: عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، ﴿أَجْرًا﴾ [هود: ٥١] جعلا، ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ [هود: ٥١] مَا ثَوَابِيَ، ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [هود: ٥١] خلقني، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود: ٥١]
[٥٢] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [هود: ٥٢] أي: آمنوا به، فالاستغفار ههنا بِمَعْنَى الْإِيمَانِ، ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٥٢] مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَمِنْ سَالِفِ ذُنُوبِكُمْ، ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود: ٥٢] أَيْ: يُرْسِلِ الْمَطَرَ عَلَيْكُمْ مُتَتَابِعًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ، ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] أَيْ: شِدَّةً مَعَ شِدَّتِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عنهم المطر ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَعْقَمَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ فَلَمْ يَلِدْنَ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ آمَنْتُمْ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْمَطَرَ فَتَزْدَادُونَ مَالًا وَيُعِيدُ أَرْحَامَ الْأُمَّهَاتِ إِلَى مَا كَانَتْ فَيَلِدْنَ، فَتَزْدَادُونَ قُوَّةً بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَقِيلَ: تَزْدَادُونَ قُوَّةً فِي الدين إلى قوة في البدن. ﴿وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ٥٢] أَيْ: لَا تُدْبِرُوا مُشْرِكِينَ.
[٥٣] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ [هود: ٥٣] أي: ببيان وَحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى مَا تَقُولُ، ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ﴾ [هود: ٥٣] أَيْ: بِقَوْلِكَ، ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣] بمصدقين.
[قوله تعالى إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ] قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ....
[٥٤] ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] يعني: لست تتعاطى ما تتعاطاه مِنْ مُخَالَفَتِنَا وَسَبِّ آلِهَتِنَا إِلَّا أَنَّ بَعْضَ آلِهَتِنَا اعْتَرَاكَ أَيْ: أَصَابَكَ بِسُوءٍ بِخَبَلٍ وَجُنُونٍ، وَذَلِكَ أَنَّكَ سَبَبْتَ آلِهَتَنَا فَانْتَقَمُوا مِنْكَ بِالتَّخْبِيلِ، لَا نَحْمِلُ أَمْرَكَ إِلَّا على هذا، ﴿قَالَ﴾ [هود: ٥٤] لَهُمْ هُودٌ، ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ﴾ [هود: ٥٤] على نفسي، ﴿وَاشْهَدُوا﴾ [هود: ٥٤] يَا قَوْمِ، ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [هود: ٥٤]
[٥٥] ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ [هود: ٥٥] يعني الأوثان، ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا﴾ [هود: ٥٥] فَاحْتَالُوا فِي مَكْرِكُمْ وَضُرِّي أَنْتُمْ وأوثانكم، ﴿ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: ٥٥] لَا تُؤَخِّرُونَ وَلَا تُمْهِلُونَ.
[٥٦] ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ﴾ [هود: ٥٦] أَيِ: اعْتَمَدْتُ، ﴿عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود: ٥٦] قال الضحاك: محييها ومميتها، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَالِكُهَا وَالْقَادِرُ عَلَيْهَا، وقال بعض العلماء: آخذ بناصيتها لا تتوجه إلا حيث يلهمها، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يَقْهَرُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَخَذْتَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ، وَقِيلَ إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ