وَالْبَاقُونَ بِنَصْبِ الدَّالِ، فَمَنْ جَرَّهُ فَلِأَنَّهُ اسْمٌ مُذَكَّرٌ، وَمَنْ لَمْ يَجُرَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ.
[٦٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [هود: ٦٩] أراد بالرسل الملائكة عليهم السلام بِالْبُشْرَى بِالْبِشَارَةِ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَقِيلَ: بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ، ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ [هود: ٦٩] أي: سلموا سلامًا، ﴿قَالَ﴾ [هود: ٦٩] إبراهيم ﴿سَلَامٌ﴾ [هود: ٦٩] أَيْ: عَلَيْكُمْ سَلَامٌ: وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: ٥٨] وقرأ حمزة والكسائي سلم ههنا وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ بِكَسْرِ السِّينِ بِلَا أَلْفٍ، قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى السَّلَامِ، كَمَا يُقَالُ: حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، أَيْ: نَحْنُ سِلْمٌ أَيْ صُلْحٌ لَكُمْ غَيْرُ حَرْبٍ. ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] والحنيذ المحنوذ وهو الْمَشْوِيُّ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي خَدٍّ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ سَمِينًا يَسِيلُ دَسَمًا، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٢٦] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَامَّةُ مَالِ إِبْرَاهِيمَ الْبَقَرُ.
[٧٠] ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٠] أي: إلى العجل، ﴿نَكِرَهُمْ﴾ [هود: ٧٠] أنكرهم، ﴿وَأَوْجَسَ﴾ [هود: ٧٠] أضمر، ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] خَوْفًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَقَعَ فِي قَلْبِهِ، وَأَصْلُ الْوُجُوسِ: الدُّخُولُ، كَانَ الْخَوْفُ دَخَلَ قَلْبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ بَشَرٍّ. ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] يا إبراهيم، ﴿إِنَّا﴾ [هود: ٧٠] مَلَائِكَةُ اللَّهِ ﴿أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠]
[٧١] ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ [هود: ٧١] سارة بنت هارون بِنِ أَحْوَرَ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ إبراهيم. ﴿قَائِمَةٌ﴾ [هود: ٧١] مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ تَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَقِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةً تَخْدِمُ الرُّسُلَ وإبراهيم جالس معهم. ﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: ضَحِكَتْ أَيْ: حَاضَتْ فِي الْوَقْتِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَحِكَتِ الْأَرْنَبُ، أَيْ: حَاضَتْ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ ضَحِكِهَا، فقيل: ضَحِكَتْ لِزَوَالِ الْخَوْفِ عَنْهَا وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَالُوا لَا تَخَفْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا قَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ الطَّعَامَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَأْكُلُوا خَافَ إِبْرَاهِيمُ، وَظَنَّهُمْ لُصُوصًا فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا: إِنَّا لَا نأكل طعامًا إلا بثمن، قال إِبْرَاهِيمُ: فَإِنَّ لَهُ ثَمَنًا، قَالُوا وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ تَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ عَلَى آخِرِهِ، فَنَظَرَ جِبْرِيلُ إِلَى مِيكَائِيلَ عليهم الصلاة والسلام، وَقَالَ: حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ رَبُّهُ خَلِيلًا، فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ وَسَارَّةُ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ضَحِكَتْ سَارَّةُ، وَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا إِنَّا نَخْدِمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرِمَةً لَهُمْ، وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَحِكَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَقُرْبِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: ضَحِكَتْ مِنْ خَوْفِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ خَدَمِهِ وحشمه، وقيل: ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْبِشَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: ضَحِكَتْ


الصفحة التالية
Icon