الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا حَكِيمًا ذَا رَأْيٍ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ ابْنُ عَمِّ رَاعِيلَ فَحَكَمَ فَقَالَ: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ [يوسف: ٢٦] أَيْ: مِنْ قُدَّامٍ، ﴿فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [يوسف: ٢٦]
[٢٧]، ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: ٢٧]
[٢٨] ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾ [يوسف: ٢٨] قِطْفِيرُ، ﴿قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾ [يوسف: ٢٨] عَرَفَ خِيَانَةَ امْرَأَتِهِ وَبَرَاءَةَ يُوسُفَ عليه السلام، ﴿قَالَ﴾ [يوسف: ٢٨] لها ﴿إِنَّهُ﴾ [يوسف: ٢٨] أَيْ: إِنَّ هَذَا الصَّنِيعَ، ﴿مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يُوسُفُ: ٢٨] وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّاهِدِ، ثُمَّ أَقْبَلُ قِطْفِيرُ عَلَى يوسف فقال:
[٢٩] ﴿يُوسُفُ﴾ [يُوسُفُ: ٢٩] أَيْ: يَا يُوسُفُ، ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [يوسف: ٢٩] أَيْ: عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ حَتَّى لَا يَشِيعَ. وقيل: معناه لا تكترث به فَقَدْ بَانَ عُذْرُكَ وَبَرَاءَتُكَ، ثُمَّ قال لامرأته، ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ [يوسف: ٢٩] أَيْ: تُوبِي إِلَى اللَّهِ، ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٢٩] من المذنبين. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّاهِدِ لِيُوسُفَ وَلِرَاعِيلَ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، أَيْ: سَلِي زَوْجَكِ أَنْ لَا يُعَاقِبَكِ وَيَصْفَحَ عَنْكِ، إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ، مِنَ الْمُذْنِبِينَ حَتَّى رَاوَدْتِ شَابًّا عَنْ نَفْسِهِ وَخُنْتِ زَوْجَكِ، فَلَمَّا اسْتَعْصَمَ كَذَبْتِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِنَ الْخَاطِئِينَ وَلَمْ يَقُلْ: مِنَ الْخَاطِئَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْخَبَرَ عَنِ النِّسَاءِ بَلْ قَصْدَ بِهِ الْخَبَرَ عَمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، تَقْدِيرُهُ: مِنَ الْقَوْمِ الْخَاطِئِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التَّحْرِيمِ: ١٢] بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [النمل: ٤٣]
[٣٠] قوله عز وجل: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [يوسف: ٣٠] الْآيَةَ، يَقُولُ شَاعَ أَمْرُ يُوسُفَ وَالْمَرْأَةِ فِي الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ مِصْرَ. وقيل: مدينة عين الشمس، وتحدثت النساء بذلك وقلن: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ [يوسف: ٣٠] أَيْ: عَبْدَهَا الْكَنْعَانِيَّ، ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٣٠] أَيْ: تَطْلُبُ مِنْ عَبْدِهَا الْفَاحِشَةَ، ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ [يوسف: ٣٠] أَيْ: عَلِقَهَا حُبًّا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَجَبَ حبُّه قَلْبَهَا حَتَّى لَا تَعْقِلَ سِوَاهُ. وَقِيلَ: أَحَبَّتْهُ حَتَّى دخلها حُبُّهُ شَغَافَ قَلْبِهَا، أَيْ: دَاخِلَ قَلْبِهَا. قَالَ السُّدِّيُّ: الشَّغَافُ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ عَلَى الْقَلْبِ، يَقُولُ دَخَلَ الْحُبُّ الْجِلْدَ حَتَّى أَصَابَ الْقَلْبَ. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ وَالْأَعْرَجُ: (شَعَفَهَا) بِالْعَيْنِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، مَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْحُبُّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَمِنْهُ شَعَفُ الْجِبَالِ وَهُوَ رُءُوسُهَا. ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يوسف: ٣٠] أي: خطأ ظاهر. وقيل: إنها تركت ما يكون على أمثالها من العفاف والستر.
[قوله تعالى فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ] وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا....
[٣١] ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ﴾ [يوسف: ٣١] راعيل ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾ [يوسف: ٣١] بقولهن وحديثهن، قاله قتادة والسدي. وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّمَا قُلْنَ ذَلِكَ مَكْرًا بِهَا لِتُرِيَهُنَّ يُوسُفَ، وَكَانَ وصف لَهُنَّ حُسْنُهُ وَجَمَالُهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا أفشت إليهن ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مَكْرًا ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ [يوسف: ٣١] قَالَ وَهْبٌ: اتَّخَذَتْ مَأْدُبَةً وَدَعَتْ أَرْبَعِينَ امْرَأَةً مِنْهُنَّ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي عيّرنها. ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ [يوسف: ٣١] أي أعدت ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ [يوسف: ٣١] أَيْ: مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: مُتَّكَأً أَيْ: طَعَامًا سَمَّاهُ مُتَّكَأً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الطَّعَامِ إِذَا جَلَسُوا يَتَّكِئُونَ عَلَى الْوَسَائِدِ، فَسَمَّى الطَّعَامَ مُتَّكَأً عَلَى الِاسْتِعَارَةِ. يُقَالُ: اتَّكَأْنَا عِنْدَ فُلَانٍ أَيْ: طَعِمْنَا. وَيُقَالُ: الْمُتَّكَأُ: مَا اتكأت عليه للشراب أو الحديث أو الطعام، ﴿وَآتَتْ﴾ [يوسف: ٣١] أعطت، ﴿كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ [يوسف: ٣١] فَكُنَّ يَأْكُلْنَ اللَّحْمَ حَزَّا بِالسِّكِّينِ.
﴿وَقَالَتِ﴾ [يوسف: ٣١] ليوسف، ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ [يوسف: ٣١] وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَجْلَسَتْهُ فِي مكان آخَرَ؛ فَخَرَجَ عَلَيْهِنَّ يُوسُفُ. قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى سائر النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ


الصفحة التالية
Icon