بِذَنْبِهِ كُلِّهِ لَا يَغْفِرُ لَهُ منه شيء، ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ [الرعد: ١٨] فِي الْآخِرَةِ ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [الرعد: ١٨] الْفِرَاشُ، أَيْ: بِئْسَ مَا مُهِّدَ لَهُمْ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ] الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ....
[١٩] قَوْلُهُ تَعَالَى. ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ﴾ [الرعد: ١٩] فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، ﴿كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ [الرعد: ١٩] عَنْهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ، وَقِيلَ: فِي عَمَّارٍ وَأَبِي جَهْلٍ، فَالْأَوَّلُ حَمْزَةُ أَوْ عَمَّارٌ وَالثَّانِي أَبُو جَهْلٍ، وَهُوَ الْأَعْمَى، أَيْ: لَا يَسْتَوِي مَنْ يُبْصِرُ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُهُ وَمَنْ لَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَتَّبِعُهُ. ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ [الرعد: ١٩] يتعظ، ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الرعد: ١٩] ذَوُو الْعُقُولِ.
[٢٠] ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٢٠] بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَفَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُخَالِفُونَهُ. ﴿وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ [الرعد: ٢٠] وَقِيلَ: أَرَادَ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ.
[٢١] ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: ٢١] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صلة الرحم ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: ٢١]
[٢٢] ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [الرعد: ٢٢] عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَى الْمَصَائِبِ وَالنَّوَائِبِ. وَقِيلَ: عَنِ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ: عَنِ الْمَعَاصِي. ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرعد: ٢٢] طلب تعظيمه أن يخالفوه، ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرعد: ٢٢] يَعْنِي يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ، ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [الرعد: ٢٢] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: يَدْفَعُونَ بِالصَّالِحِ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئَ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هُودٍ: ١١٤] وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا، السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بالعلانية» (١).
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَعْنَى الْآيَةِ يَدْفَعُونَ الذَّنْبَ بِالتَّوْبَةِ. وَقِيلَ: لَا يُكَافِئُونَ الشَّرَّ بِالشِّرِّ وَلَكِنْ يَدْفَعُونَ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ إِذَا سُفِهَ عَلَيْهِمْ حَلِمُوا، فَالسَّفَهُ: السَّيِّئَةُ، وَالْحِلْمُ: الْحَسَنَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ردوا عليهم معروفا نطيره قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٦٣] وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا حُرِمُوا أَعْطَوْا وَإِذَا ظُلِمُوا عفوا وإذا قطعوا وصلوا ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٢] يَعْنِي الْجَنَّةَ، أَيْ: عَاقِبَتُهُمْ دَارُ الثَّوَابِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ:
[٢٣] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ [الرعد: ٢٣] بَسَاتِينُ إِقَامَةٍ، ﴿يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: ٢٣] قِيلَ: مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: من
_________
(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ٥ / ١٦٩ بلفظ: "إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها" وأشار الحافظ السيوطي في جامعه الصغير إلى تصحيح هذه الرواية، وذكر أخرى بلفظ: "إذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة: السر بالسر، والعلانية بالعلانية" رواها الإمام أحمد عن عطاء مرسلا.


الصفحة التالية
Icon