(١٥) سورة الحجر [١] ﴿الر﴾ [الحجر: ١] مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ أَرَى، ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ [الحجر: ١] أَيْ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، ﴿وَقُرْآنٍ﴾ [الحجر: ١] أي: وآيات قرآن، ﴿مُبِينٍ﴾ [الحجر: ١] أَيْ: بَيَّنَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ وَالْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنْ قِيلَ: لما ذَكَرَ الْكِتَابَ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ١] وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ؟ قُلْنَا: قَدْ قِيلَ كل وأحد منهما يُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْكِتَابَ مَا يُكْتَبُ وَالْقُرْآنُ مَا يُجْمَعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَبِالْقُرْآنِ هَذَا الكتاب.
[٢] ﴿رُبَمَا﴾ [الحجر: ٢] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ بتحفيف الباء والباقون بتشديدهما وَهُمَا لُغَتَانِ، وَرُبَّ لِلتَّقْلِيلِ وَكَمْ لِلتَّكْثِيرِ، وَرُبَّ تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَرُبَمَا عَلَى الْفِعْلِ، يُقَالُ: رُبَّ رَجُلٍ جَاءَنِي وَرُبَمَا جَاءَنِي رَجُلٌ، وَأَدْخَلَ مَا هَاهُنَا لِلْفِعْلِ بَعْدَهَا. ﴿يَوَدُّ﴾ [الحجر: ٢] يَتَمَنَّى، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢] واختلف في الحالة الَّتِي يَتَمَنَّى الْكَافِرُ فِيهَا الْإِسْلَامَ، قَالَ الضَّحَّاكُ: حَالَةُ الْمُعَايَنَةِ. وَقِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حِينَ يُخْرِجُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ.
[٣] ﴿ذَرْهُمْ﴾ [الحجر: ٣] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي الَّذِينَ كَفَرُوا، ﴿يَأْكُلُوا﴾ [الحجر: ٣] في الدنيا، ﴿وَيَتَمَتَّعُوا﴾ [الحجر: ٣] من لذاتهم ﴿وَيُلْهِهِمُ﴾ [الحجر: ٣] يشغلهم، ﴿الْأَمَلُ﴾ [الحجر: ٣] عَنِ الْأَخْذِ بِحَظِّهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ والطاعة، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: ٣] إِذَا وَرَدُوا الْقِيَامَةَ وَذَاقُوا وَبَالَ مَا صَنَعُوا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ذَرْهُمْ تَهْدِيدٌ وَقَوْلُهُ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، تَهْدِيدٌ آخَرُ، فَمَتَى يَهْنَأُ الْعَيْشُ بَيْنَ تَهْدِيدَيْنِ. وَالْآيَةُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
[٤] ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الحجر: ٤] أَيْ: مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، ﴿إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ [الحجر: ٤] أَيْ أَجَلٌ مَضْرُوبٌ لَا يُتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ حَتَّى يُبَلَّغُوهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُمْ.
[٥] ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ [الحجر: ٥] من صلة أَيْ: مَا تَسْبِقُ أُمَّةٌ أَجْلَهَا ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ [الحجر: ٥] أَيِ: الْمَوْتُ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يتأخر، وقيل: العذاب. وقيل: الأجل المضروب.
[٦] ﴿وَقَالُوا﴾ [الحجر: ٦] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ [الحجر: ٦] أَيِ: الْقُرْآنُ وَأَرَادُوا بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦] وَذَكَرُوا تَنْزِيلَ الذِّكْرِ عَلَى سَبِيلِ الاستهزاء.
[٧] ﴿لَوْ مَا﴾ [الحجر: ٧] هلا ﴿تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ﴾ [الحجر: ٧] شَاهِدِينَ لَكَ بِالصِّدْقِ عَلَى مَا تقول إن الله أرسلك، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الحجر: ٧] أَنَّكَ نَبِيٌّ.
[٨] ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [الحجر: ٨] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ بِنُونَيْنِ الْمَلَائِكَةَ نَصْبٌ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالتَّاءِ وَضَمَّهَا وَفَتْحِ الزَّايِ الْمَلَائِكَةُ رَفْعٌ وَقَرَأَ


الصفحة التالية
Icon