يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]
[٤٤] ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَالِبِ لِلْبَاءِ فِي قَوْلِهِ (بِالْبَيِّنَاتِ) قِيلَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إلى قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا)، وإلا بمعنى غير، مجاز: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ غَيْرَ رِجَالٍ يُوحَى إِلَيْهِمْ وَلَمْ نَبْعَثْ مَلَائِكَةً. وَقِيلَ: تَأْوِيلُهُ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْوَحْيَ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنًا لِلْوَحْيِ وَبَيَانُ الْكِتَابِ يُطْلَبُ مِنَ السنة ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]
[٤٥] ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا﴾ [النحل: ٤٥] عملوا ﴿السَّيِّئَاتِ﴾ [النحل: ٤٥] مِنْ قَبْلُ يَعْنِي نَمْرُودَ بْنَ كنعان وغيره الْكُفَّارِ، ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٤٥]
[٤٦] ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾ [النحل: ٤٦] بالعذاب، ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٦] تَصَرُّفِهِمْ فِي الْأَسْفَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فِي إِقْبَالِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ، ﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: ٤٦] السابقين اللَّهَ.
[٤٧] ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] والتخوف: النقص، أَيْ: يُنْقِصُ مِنْ أَطْرَافِهِمْ وَنَوَاحِيهِمُ شيئا بعد شيء حَتَّى يَهْلَكَ جَمِيعُهُمْ، يُقَالُ: تَخَوَّفَهُ الدَّهْرُ وَتَخَوَّنَهُ إِذَا نَقَصَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ وَحَشَمَهُ، وَيُقَالُ: هَذَا لُغَةُ بني هذيل. وقال الضحاك والكلبي: هو من الخوف، أي: أن يعذب طائفة ليتخوف الْآخَرُونَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ. ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧] حين لم يعجل بالعقوبة.
[٤٨] قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٤٨] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ، وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ خَبَرًا عَنِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ جِسْمٍ قائم له ظل، ﴿يَتَفَيَّأُ﴾ [النحل: ٤٨] قرأ أبو عمر، وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ. ﴿ظِلَالُهُ﴾ [النحل: ٤٨] أَيْ: تَمِيلُ وَتَدُورُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ فَهِيَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى حَالٍ ثُمَّ تَتَقَلَّصُ ثُمَّ تَعُودُ فِي آخِرِ النَّهَارِ إِلَى حَالٍ أُخْرَى، سُجَّدًا لِلَّهِ فَمَيَلَانُهَا وَدَوَرَانُهَا سُجُودُهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَيُقَالُ لِلظِّلِّ بِالْعَشِيِّ: فَيْءٌ لِأَنَّهُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ، والسجود الميل. يقال: سَجَدَتِ النَّخْلَةُ إِذَا مَالَتْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ [النحل: ٤٨] قول قَتَادَةُ وَالضَّحَاكُ: أَمَّا الْيَمِينُ فَأَوَّلُ النَّهَارِ وَالشِّمَالُ آخِرُ النَّهَارِ، تَسْجُدُ الظلال لِلَّهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الظِّلَالِ سجود الأشخاص فإذا قِيلَ: لِمَ وَحَّدَ الْيَمِينَ وَجَمَعَ الشَّمَائِلَ؟ قِيلَ: مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ فِي اجْتِمَاعِ الْعَلَامَتَيْنِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٧] وَقَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٧] وَقِيلَ: الْيَمِينُ يَرْجِعُ إِلَى قوله: (وما خَلَقَ اللَّهُ) وَلَفْظُ (مَا)