قَيِّمًا عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا أَيْ: مُصَدِّقًا لَهَا نَاسِخًا لِشَرَائِعِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَيْسَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَلْ مَعْنَاهُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، ولكن جعله قيما. قوله عز وجل: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا﴾ [الكهف: ١] أي: مُخْتَلِفًا، عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النِّسَاءُ: ٨٢] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مَخْلُوقًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزُّمُرُ: ٢٨] أَيْ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ. ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [الكهف: ٢] أَيْ لِيُنْذِرَ بِبَأْسٍ شَدِيدٍ، ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف: ٢] أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف: ٢] أَيِ الْجَنَّةَ.
[٣] ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣] أَيْ: مُقِيمِينَ فِيهِ.
[٤] ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [الكهف: ٤]
[قوله تَعَالَى مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ...]..
[٥] ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾ [الكهف: ٥] أَيْ قَالُوهُ عَنْ جَهْلٍ لَا عن علم، ﴿كَبُرَتْ﴾ [الكهف: ٥] أي عظمت، ﴿كَلِمَةً﴾ [الكهف: ٥] نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، يُقَالُ: تَقْدِيرُهُ كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً. وَقِيلَ: مِنْ كَلِمَةٍ، فَحُذِفَ (مِنْ) فَانْتَصَبَ، ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ [الكهف: ٥] أَيْ: تَظْهَرُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، ﴿إِنْ يَقُولُونَ﴾ [الكهف: ٥] ما يقولون، ﴿إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٥]
[٦] ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الكهف: ٦] مِنْ بَعْدِهِمْ، ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ [الكهف: ٦] أي: القرآن، ﴿أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] أَيْ حُزْنًا وَقِيلَ: غَضَبًا.
[٧] ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ [الكهف: ٧] فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ زِينَةٍ فِي الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالشَّيَاطِينِ؟ قِيلَ: فِيهَا زِينَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهِ الرِّجَالَ خَاصَّةً هم زِينَةُ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْعُلَمَاءَ وَالصُّلَحَاءَ. وَقِيلَ: الزِّينَةُ بِالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، كَمَا قَالَ. ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ [الكهف: ٧] لنختبرهم، ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٧] أَيْ أَصْلَحُ عَمَلًا. وَقِيلَ. أَيَّهُمُّ أَتْرَكُ لِلدُّنْيَا.
[٨] ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨] فَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَقِيلَ هُوَ التراب، جرزا يا بسا أَمْلَسَ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا. يُقَالُ: جزرت الْأَرْضُ إِذَا أُكِلَ نَبَاتُهَا.
[٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ [الكهف: ٩] يَعْنِي أَظَنَنْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا أَيْ هُمْ عَجَبٌ مِنْ آيَاتِنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَعْجَبَ مِنْ آيَاتِنَا فَإِنَّ مَا خَلَقْتُ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَعْجَبُ منهم، والكهف: هُوَ الْغَارُ فِي الْجَبَلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّقِيمِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ لَوْحٌ كُتِبَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقَصَصُهُمْ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقَاوِيلِ، ثُمَّ وَضَعُوهُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ وَكَانَ اللَّوْحُ مِنْ رصاص، وقيل، من حجار، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ


الصفحة التالية
Icon