أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا، ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ [الأنبياء: ٢١] يَعْنِي الْأَصْنَامَ مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَهُمَا مِنَ الْأَرْضِ، ﴿هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١] يُحْيُونَ الْأَمْوَاتَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِلَهِيَّةَ إِلَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِيجَادِ مِنَ الْعَدَمِ وَالْإِنْعَامِ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ النِّعَمِ.
[٢٢] ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾ [الأنبياء: ٢٢] يعني فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ﴿آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يعني غير الله، ﴿لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢] لَخَرِبَتَا وَهَلَكَ مَنْ فِيهِمَا بِوُجُودِ التَّمَانُعِ بَيْنَ الْآلِهَةِ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ صَدَرَ عَنِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَجْرِ عَلَى النِّظَامِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يعني يصمه بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ.
[٢٣] ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وَيَحْكُمُ عَلَى خَلْقِهِ لِأَنَّهُ الرَّبُّ ﴿وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ.
[٢٤] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الأنبياء: ٢٤] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ، ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يعني حُجَّتَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ مستأنفا، ﴿هَذَا﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَعْنِي الْقُرْآنَ. ﴿ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] فِيهِ خَبَرُ مَنْ مَعِيَ عَلَى ديني ومن تبعني إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابِ على المعصية. ﴿وَذِكْرُ﴾ [الأنبياء: ٢٤] خبر، ﴿مَنْ قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا يُفْعَلُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ: الْقُرْآنُ، وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَمَعْنَاهُ: رَاجِعُوا الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَسَائِرَ الْكُتُبِ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا، ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤]
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي] إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.....
[٢٥] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ﴾ [الأنبياء: ٢٥] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ نُوحِي إِلَيْهِ بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى التَّعْظِيمِ، لِقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] وحدون.
[٢٦] ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [الأنبياء: ٢٦] نزلت في خزاعة حيث قال: الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [الأنبياء: ٢٦] نَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا، ﴿بَلْ عِبَادٌ﴾ [الأنبياء: ٢٦] أَيْ هُمْ عِبَادٌ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، ﴿مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦]
[٢٧] ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الأنبياء: ٢٧] لا يقدمونه بِالْقَوْلِ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧] مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ قَوْلًا وَلَا عَمَلًا.
[٢٨] ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٨] أَيْ مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ. وَقِيلَ: مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِمْ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] قال ابن عباس: أي إلا لِمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ، ﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨] خَائِفُونَ لَا يَأْمَنُونَ مَكْرَهُ.
[٢٩] ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾ [الأنبياء: ٢٩] قال مقاتل: عَنَى بِهِ إِبْلِيسَ حِينَ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ وَأَمَرَ بِطَاعَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَقُلْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] الْوَاضِعِينَ الْإِلَهِيَّةَ وَالْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
[٣٠] ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٣٠] قرأ العامة بالواو وقرأ ابْنُ كَثِيرٍ أَلَمْ يَرَ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ مَعْنَاهُ: أَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ كَفَرُوا، ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء: ٣٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما والضحاك وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: كَانَتَا شَيْئًا وَاحِدًا ملتزقتين، ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] فَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِالْهَوَاءِ وَالرَّتْقُ فِي اللُّغَةِ السَّدُّ، وَالْفَتْقُ الشَّقُّ، قَالَ كعب: خلق الله السماوات وَالْأَرْضَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ خلق ريحا فوسطها ففتحهما بِهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتِ السماوات مرتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت مرتقة طبقة واحدة ففتحها فَجَعَلَهَا


الصفحة التالية
Icon