[٨] قوله: ﴿وَيَدْرَأُ﴾ [النور: ٨] يَدْفَعُ، ﴿عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النور: ٨]
[٩] ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٩] وَأَرَادَ بِالْعَذَابِ الْحَدَّ كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢] أي: أحدهما ومعنى الآية أن الزوج إذ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الزِّنَا، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا بِلِعَانِهِ فَأَرَادَتْ إِسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهَا فَإِنَّهَا تُلَاعِنَ فَتَقُومُ وَتَشْهَدُ بَعْدَ تَلْقِينِ الْحَاكِمِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إِنْ كَانَ زَوْجِي مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي به.
[١٠] قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٠] جَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ يَعْنِي لَعَاجَلَكُمْ بالعقوبة ولكنه ستر عليكم ورفع عَنْكُمُ الْحَدَّ بِاللِّعَانِ، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ [النور: ١٠] يَعُودُ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ عَنِ المعاصي بالرحمة ﴿حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٠] فيما فرض من الحدود.
[قوله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ] لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ....
[١١] قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ [النور: ١١] بالكذب وهو أَسْوَأُ الْكَذِبِ سُمِّيَ إِفْكًا لِكَوْنِهِ مصروفا عن الحق، من قوله: أَفَكَ الشَّيْءَ إِذَا قَلَبَهُ عَنْ وجهه "وهو ما مثل في عائشة رضي الله عنها عند تخلفها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في أحد غزواته بعد أن أحضرها صفوان السلمي" وذلك أن عائشة تَسْتَحِقُّ الثَّنَاءَ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَصَانَةِ وَالشَّرَفِ فَمَنْ رَمَاهَا بِالسُّوءِ قَلَبَ الْأَمْرَ عَنْ وَجْهِهِ، ﴿عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ [النور: ١١] أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجَةُ طَلْحَةَ ابن عُبَيْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ، ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ [النور: ١١] يَا عَائِشَةُ وَيَا صَفْوَانُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِعَائِشَةَ وَلِأَبَوَيْهَا وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَفْوَانَ، يَعْنِي لَا تَحْسَبُوا الْإِفْكَ شَرًّا لَكُمْ، ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النور: ١١] لِأَنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى ذَلِكَ ويظهر براءتكم.
قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ [النور: ١١] يَعْنِي مِنَ الْعُصْبَةِ الْكَاذِبَةِ ﴿مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ [النور: ١١] أَيْ: جَزَاءُ مَا اجْتَرَحَ مِنَ الذَّنْبِ عَلَى قَدْرِ مَا خَاضَ فيه، ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١] أَيْ: تَحَمَّلَ مُعْظَمَهُ فَبَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ، قَرَأَ يَعْقُوبُ (كُبْرَهُ) بِضَمِّ الْكَافِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْكَسْرِ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: قَامَ بِإِشَاعَةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ﴾ [النور: ١١] قَالَتْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ النار في الآخرة.
[١٢] قوله: ﴿لَوْلَا﴾ [النور: ١٢] هَلَّا، ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [النور: ١٢] بإخوانهم، ﴿خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] قَالَ الْحَسَنُ: بِأَهْلِ دِينِهِمْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٢٩] ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النُّورِ: ٦١] ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] أَيْ: كَذِبٌ بَيِّنٌ.
[١٣] ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ١٣] عَلَى مَا زَعَمُوا، ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِيرُونَ عِنْدَ اللَّهِ كَاذِبِينَ إِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ وَمَنْ كَذَبَ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَاذِبٌ سَوَاءٌ أَتَى بِالشُّهَدَاءِ أَوْ لَمْ يَأْتِ "؟ قِيلَ: عِنْدَ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَذِّبُوهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هَذَا فِي حَقِّ عَائِشَةَ وَمَعْنَاهُ أُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ فِي غَيْبِي وَعِلْمِي.
[١٤] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ﴾ [النور: ١٤] خضتم، ﴿فِيهِ﴾ [النور: ١٤] من الإفك، ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ عَذَابٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَذَابَ الدُّنْيَا مِنْ قَبْلُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١] وقد أصابهم فإنه قد جلد وحد، وقد روت عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَدَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَمِسْطَحَ بْنَ أثاثة وحمنة بنت جحش.