[١٥] قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور: ١٥] تقولونه، ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ [النور: ١٥] قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: بَلَغَنِي كَذَا وَكَذَا يَتَلَقَّوْنَهُ تلقيا، وكذا قرأه أبي بن كعب. وَقَالَ الزُّجَاجُ: يُلْقِيهِ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ (تَلِقَوْنَهُ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفُ الْقَافِ مِنَ الْوَلَقِ وَهُوَ الْكَذِبُ، ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ [النور: ١٥] تَظُنُّونَ أَنَّهُ سَهْلٌ لَا إِثْمَ فِيهِ، ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥] فِي الْوِزْرِ.
[١٦] ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ﴾ [النور: ١٦] هذا اللفظ هاهنا بمعنى التعجب، ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] يعني كَذِبٌ عَظِيمٌ يَبْهَتُ وَيَتَحَيَّرُ مِنْ عَظَمَتِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ أُمَّ أَيُّوبَ قَالَتْ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: أَمَا بَلَغَكَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى وِفْقِ قَوْلِهِ.
[١٧] ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ [النور: ١٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُحَرِّمُ اللَّهُ عَلَيْكُمُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَنْهَاكُمُ اللَّهُ. ﴿أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ١٧]
[١٨] ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ [النور: ١٨] بالأمر والنهي، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ [النور: ١٨] بأمر عائشة وصفوان بن المعطل، ﴿حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٨] حكم ببراءتهما.
[١٩] قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ [النور: ١٩] يعني يظهر وَيَذِيعَ الزِّنَا، ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: ١٩] يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ الْمُنَافِقِينَ، وَالْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا الْحَدُّ وَفِي الْآخِرَةِ النَّارُ، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ [النور: ١٩] كَذِبَهُمْ وَبَرَاءَةَ عَائِشَةَ وَمَا خَاضُوا فِيهِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ، ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩]
[٢٠] ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٠] جَوَابُ (لَوْلَا) مَحْذُوفٌ يَعْنِي: لَعَاجَلَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مسطحا وحسان بن ثابت وحمنة.
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ] الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ...
[٢١] قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [النور: ٢١] يعني بالقبائح من الأفعال، ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] كل ما يكرهه الله، ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا﴾ [النور: ٢١] قَالَ مُقَاتِلٌ: مَا صَلَحَ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَا طَهُرَ، ﴿مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ [النور: ٢١] وَالْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْلَا فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ بِالْعِصْمَةِ مَا صَلَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا الْخِطَابُ لِلَّذِينِ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ، وَمَعْنَاهُ: مَا طَهُرَ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ وَلَا صَلُحَ أَمْرُهُ بَعْدَ الَّذِي فَعَلَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، قَالَ: مَا قَبِلُ تَوْبَةَ أَحَدٍ مِنْكُمْ، ﴿أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي﴾ [النور: ٢١] يطهر ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٢١] مِنَ الذَّنْبِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢١]


الصفحة التالية
Icon