فَقَالَتْ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بِعِبَادَةِ غَيْرِكَ، ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] أَيْ أَخْلَصْتُ لَهُ التَّوْحِيدَ، وَقِيلَ: إنها لما بلغت الصرح فظنته لُجَّةً، قَالَتْ فِي نَفْسِهَا إِنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ أَنْ يُغْرِقَنِي، وَكَانَ الْقَتْلُ عَلَيَّ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا فقولها: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [النمل: ٤٤] تعني بذلك الظن.
[قوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا] أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ...
[٤٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ﴾ [النمل: ٤٥] أي أن، ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٥] وحده، ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾ [النمل: ٤٥] مؤمن وكافر، ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥] فِي الدِّينِ، قَالَ مُقَاتِلٌ وَاخْتِصَامُهُمْ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأعراف: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٧٧]
[٤٦] فـ ﴿قَالَ﴾ [النمل: ٤٦] لَهُمْ صَالِحٌ، ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [النمل: ٤٦] بالبلاء والعقوبة، ﴿قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦] العافية والرحمة، ﴿لَوْلَا﴾ [النمل: ٤٦] هلا ﴿تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٦] بِالتَّوْبَةِ مِنْ كُفْرِكُمْ، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: ٤٦]
[٤٧] ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا﴾ [النمل: ٤٧] أَيْ تَشَاءَمْنَا، وَأَصْلُهُ تَطَيَّرْنَا، ﴿بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل: ٤٧] قيل: وإنما قَالُوا ذَلِكَ لِتَفَرُّقِ كَلِمَتِهِمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقُحِطُوا فَقَالُوا: أَصَابَنَا هَذَا الضُّرُّ وَالشِّدَّةُ مِنْ شُؤْمِكَ وَشُؤْمِ أَصْحَابِكَ، ﴿قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٧] أَيْ مَا يُصِيبُكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ بِأَمْرِهِ وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْكُمْ، سُمِّيَ طَائِرًا لِسُرْعَةِ نُزُولِهِ بِالْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَسْرَعُ مِنْ قَضَاءٍ مَحْتُومٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّؤْمُ أَتَاكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِكُفْرِكُمْ. وَقِيلَ: طَائِرُكُمْ أَيْ عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، سُمِّي طَائِرًا لِسُرْعَةِ صُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ. ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: ٤٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُخْتَبَرُونَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٥] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: تُعَذَّبُونَ.
[٤٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [النمل: ٤٨] يَعْنِي مَدِينَةَ ثَمُودَ وَهِيَ الْحِجْرُ، ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ [النمل: ٤٨] مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِهِمْ، ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] وَهُمُ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ وَهُمْ غُوَاةُ قَوْمِ صَالِحٍ وَرَأْسُهُمْ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى عَقْرَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ بالمعاصي.
[٤٩] ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ﴾ [النمل: ٤٩] تحالفوا، يقول بعضهم لبعض: احْلِفُوا بِاللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَمَوْضِعُ تَقَاسَمُوا جُزِمَ عَلَى الْأَمْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ: مَحَلُّهُ نَصْبٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، يَعْنِي أَنَّهُمْ تَحَالَفُوا وَتَوَاثَقُوا، تَقْدِيرُهُ: قَالُوا مُتَقَاسِمِينَ بِاللَّهِ، ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ [النمل: ٤٩] أَيْ: لِنَقْتُلَنَّهُ بَيَاتًا أَيْ لَيْلًا، ﴿وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: ٤٩] أي قومه الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (لَتُبَيِّتُنَّهُ) وَ (لَتَقُولُنَّ) بِالتَّاءِ فِيهِمَا وَضَمِّ لَامِ الْفِعْلِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِمَا وَفَتَحِ لَامِ الْفِعْلِ، ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ﴾ [النمل: ٤٩] أَيْ لِوَلِيِّ دَمِهِ، ﴿مَا شَهِدْنَا﴾ [النمل: ٤٩]


الصفحة التالية
Icon