[٢٨] ﴿قَالَ﴾ [القصص: ٢٨] موسى ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ [القصص: ٢٨] يَعْنِي هَذَا الشَّرْطُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَمَا شَرَطْتَ عَلَيَّ فَلَكَ وَمَا شرطت أن تَزْوِيجِ إِحْدَاهُمَا فَلِي، وَالْأَمْرُ بَيْنَنَا، تَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ قَالَ: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص: ٢٨] يعني أي الأجلين (وما) صلة نصب بمعنى أتممت أو فرغت من الثَّمَانِ أَوِ الْعَشْرِ، ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ٢٨] لا ظلم لي بأن أطالب بأكثر منهم، ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: شَهِيدٌ فيما بيني وبينك.
[قوله تعالى فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ] مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا...
[٢٩] ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص: ٢٩] يَعْنِي أَتَمَّهُ وَفَرَغَ مِنْهُ، ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ [القصص: ٢٩] فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ إِلَى جَانِبِ مِصْرَ، ﴿آنَسَ﴾ [القصص: ٢٩] يَعْنِي أَبْصَرَ، ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ [القصص: ٢٩] وَكَانَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي لَيْلَةٍ مظلمة شاتية شَدِيدَةِ الْبَرْدِ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ، ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ [القصص: ٢٩] يعني عَنِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] يَعْنِي قِطْعَةً وَشُعْلَةً مِنَ النَّارِ، وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: قَرَأَ عَاصِمٌ (جَذْوَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّهَا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ الْعُودُ الَّذِي قد احترق بعضه وجمعها أجذى، ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: ٢٩] تَسْتَدْفِئُونَ.
[٣٠] ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ﴾ [القصص: ٣٠] يعني مِنْ جَانِبِ الْوَادِي الَّذِي عَنْ يَمِينِ مُوسَى، ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ [القصص: ٣٠] لِمُوسَى جَعَلَهَا اللَّهُ مُبَارَكَةً لِأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى هُنَاكَ وَبَعَثَهُ نَبِيًّا. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ الْمُقَدَّسَةَ، ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [القصص: ٣٠] من ناحية الشجرة ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠]
[٣١] ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ [القصص: ٣١] تتحرك، ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [القصص: ٣١] وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ سُرْعَةِ حركتها، ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [القصص: ٣١] هاربا منها، ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [القصص: ٣١] لَمْ يَرْجِعْ فَنُودِيَ، ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١]
[٣٢] ﴿اسْلُكْ﴾ [القصص: ٣٢] أَدْخِلَ ﴿يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [القصص: ٣٢] بَرَصٍ فَخَرَجَتْ وَلَهَا شُعَاعٌ كَضَوْءِ الشَّمْسِ، ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ بِضَمِّ الواو وسكون الهاء وبفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحها وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنَى الْخَوْفِ وَمَعْنَى الآية إذا هَالَكَ أمر يدك ما تَرَى مِنْ شُعَاعِهَا فَأَدْخِلْهَا فِي جَيْبِكَ تَعُدْ إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى وَالْجَنَاحُ الْيَدُ كُلُّهَا. وَقِيلَ: هُوَ الْعَضُدُ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَمَرَهُ الله بضم يَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَذْهَبَ عَنْهُ مَا نَالَهُ مِنَ الْخَوْفِ عِنْدَ معاينة الحية. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ ضَمِّ الْجَنَاحِ السكون يعني سكن روعك واخفض عليك جأشك لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَائِفِ أَنْ يَضْطَرِبَ قَلْبُهُ وَيَرْتَعِدَ بَدَنُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٤] يُرِيدُ الرِّفْقَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٢١٥] أَيْ ارْفُقْ بهم