[٣٤] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ [سبأ: ٣٤] رُؤَسَاؤُهَا وَأَغْنِيَاؤُهَا، ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [سبأ: ٣٤]
[٣٥] ﴿وَقَالُوا﴾ [سبأ: ٣٥] يَعْنِي قَالَ الْمُتْرَفُونَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا، ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾ [سبأ: ٣٥] وَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ رَاضِيًا بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ وَالْعَمَلِ لَمْ يُخَوِّلْنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥] أَيْ إِنَّ اللَّهَ أَحْسَنَ إِلَيْنَا فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ فَلَا يُعَذِّبُنَا.
[٣٦] ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [سبأ: ٣٦] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ وَيَقْدِرُ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا لَا يَدُلُّ الْبَسْطُ عَلَى رِضَا اللَّهِ عَنْهُ وَلَا التَّضْيِيقُ عَلَى سَخَطِهِ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٣٦] أَنَّهَا كَذَلِكَ.
[٣٧] ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: ٣٧] أَيْ قُرْبَى، قَالَ الْأَخْفَشُ: قُرْبَى اسْمُ مَصْدَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا تَقْرِيبًا، ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ﴾ [سبأ: ٣٧] يعني من آمن ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سبأ: ٣٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ إِيمَانَهُ وَعَمَلَهُ يُقَرِّبُهُ مِنِّي، ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ [سبأ: ٣٧] أَيْ يُضَعِّفُ اللَّهُ لَهُمْ حَسَنَاتِهِمْ فيجزي بالحسنة الواحدة إلى سبعمائة في ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] قَرَأَ حَمْزَةُ: (فِي الْغُرْفَةِ) عَلَى وَاحِدِهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَمْعِ لِقَوْلِهِ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٨]
[٣٨] ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ﴾ [سبأ: ٣٨] يعملون، ﴿فِي آيَاتِنَا﴾ [سبأ: ٣٨] في إبطال حجتنا، ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ [سبأ: ٣٨] مُعَانِدِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَنَا وَيَفُوتُونَنَا، ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [سبأ: ٣٨]
[٣٩] ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩] يُعْطِي خُلْفَهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا كَانَ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا تَصَدَّقْتُمْ مِنْ صَدَقَةٍ وَأَنْفَقْتُمْ فِي الْخَيْرِ مِنْ نَفَقَةٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ عَلَى الْمُنْفِقِ، إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهُ لَهُ فِي الآخرة، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩] خَيْرُ مَنْ يُعْطِي وَيَرْزُقُ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» (١) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ ممسكا تلفا» (٢).
[قوله تعالى وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ] أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ...
[٤٠] قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ [سبأ: ٤٠] قرأ يعقوب وحفص ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ [سبأ: ٤٠] ويقول بالياء فيهما، وقرأ الآخرون بالنون، ﴿جَمِيعًا﴾ [سبأ: ٤٠] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ، ﴿ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [سبأ: ٤٠] فِي الدُّنْيَا، قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِعِيسَى: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الْمَائِدَةِ: ١١٦] فَتَتَبَرَّأُ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةُ.
[٤١] ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ [سبأ: ٤١] تَنْزِيهًا لَكَ، ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ: ٤١] أَيْ نَحْنُ نَتَوَلَّاكَ وَلَا نَتَوَلَّاهُمْ، ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ [سبأ: ٤١] يَعْنِي الشَّيَاطِينَ، فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ فَكَيْفَ وَجْهُ قوله: ﴿يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ [سبأ: ٤١] قِيلَ: أَرَادَ الشَّيَاطِينَ زَيَّنُوا لَهُمْ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَ الشَّيَاطِينَ فِي عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَقَوْلُهُ ﴿يَعْبُدُونَ﴾ [سبأ: ٤١] أَيْ يُطِيعُونَ الْجِنَّ ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤١] يَعْنِي مُصَدِّقُونَ لِلشَّيَاطِينِ.
[٤٢] ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا﴾ [سبأ: ٤٢] بالشفاعة، ﴿وَلَا ضَرًّا﴾ [سبأ: ٤٢] بِالْعَذَابِ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ لَا نَفْعَ عِنْدَهُمْ وَلَا ضُرَّ، ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ: ٤٢]
[٤٣] ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا﴾ [سبأ: ٤٣] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ [سبأ: ٤٣]
_________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد ١٣ / ٤٦٤ ومسلم في الزكاة برقم (٩٩٣) ٢ / ٦٩٠.
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة ٣ / ٣٠٤ ومسلم في الزكاة برقم (١٠١٠) ٢ / ٧٠٠.


الصفحة التالية
Icon