قِيَامَهُ، وَضِدُّهُ لَعًا إِذَا أَرَادُوا قيامه، ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٨] لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ.
[٩] ﴿ذَلِكَ﴾ [محمد: ٩] التَّعْسُ وَالْإِضْلَالُ، ﴿بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٩] ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ:
[١٠] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [محمد: ١٠] أي أهلكهم، ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠] أي لَمْ يُؤْمِنُوا، يَتَوَعَّدُ مُشْرِكِي مَكَّةَ.
[١١] ﴿ذَلِكَ﴾ [محمد: ١١] الَّذِي ذَكَرْتُ، ﴿بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: ١١] وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ، ﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] لَا نَاصِرَ لَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ مآل الفريقين فقال:
[قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...
[١٢] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ﴾ [محمد: ١٢] فِي الدُّنْيَا، ﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ [محمد: ١٢] لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةً إِلَّا بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، وَهُمْ لَاهُونَ سَاهُونَ عَمَّا فِي غَدٍ، قِيلَ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا يَتَزَوَّدُ، وَالْمُنَافِقُ يَتَزَيَّنُ وَالْكَافِرُ يتمتع، ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٢]
[١٣] ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ﴾ [محمد: ١٣] أي: أشد قوة من أهل مكة، ﴿الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣] أَيْ أَخْرَجَكَ أَهْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمْ رِجَالٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ قوله: ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [محمد: ١٣] وَلَمْ يَقُلْ. أَهْلَكْنَاهَا، ﴿فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣]
[١٤] ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [محمد: ١٤] يَقِينٍ مِنْ دِينِهِ، مُحَمَّدٌ وَالْمُؤْمِنُونَ، ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٤] يَعْنِي عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَالْمُشْرِكُونَ.
[١٥] ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [محمد: ١٥] أَيْ صِفَتُهَا، ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد: ١٥] آسن مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (أَسِنٍ) بِالْقَصْرِ، وَالْآخَرُونَ بِالْمَدِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ يُقَالُ: أَسَنَ الْمَاءُ يأسنُ أسنًا، وآسَنَ يأسُنُ وياسن، وأجن يأجن وياجن، أُسُونًا وَأُجُونًا إِذَا تَغَّيرَ، ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ﴾ [محمد: ١٥] لذيذة، ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾ [محمد: ١٥] لَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَرْجُلُ وَلَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَيْدِي، ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ [محمد: ١٥] أَيْ مَنْ كَانَ فِي هَذَا النَّعِيمِ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار، ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا﴾ [محمد: ١٥] شديد الحر تسعر عليه جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ، إِذَا أُدْنِيَ منهم يشوي وُجُوهَهُمْ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رُءُوسِهِمْ فَإِذَا شربوه، ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥] فَخَرَجَتْ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، وَالْأَمْعَاءُ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ مِنَ الْحَوَايَا واحدها معي.
[١٦] ﴿وَمِنْهُمْ﴾ [محمد: ١٦] يَعْنِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، ﴿مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [محمد: ١٦] وَهْمُ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَكَ فَلَا يَعُونَهُ وَلَا يَفْهَمُونَهُ تَهَاوُنًا بِهِ وَتَغَافُلًا، ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ [محمد: ١٦] يَعْنِي فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ، ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [محمد: ١٦] مِنَ الصَّحَابَةِ، ﴿مَاذَا قَالَ﴾ [مُحَمَّدٌ: ١٦] محمد، ﴿آنِفًا﴾ [محمد: ١٦] يعنى الآن، وهو مِنَ الِائْتِنَافِ وَيُقَالُ: ائْتَنَفْتُ الْأَمْرَ أَيِ ابْتَدَأْتُهُ وَأُنْفُ الشَّيْءِ


الصفحة التالية
Icon