أَنْ تَكُونَ (مَا) نَفْيًا عَلَى مَعْنَى فَلَيْسَتْ تُغْنِي النُّذُرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا، وَالْمَعْنَى: فَأَيَّ شَيْءٍ تُغْنِي النُّذُرُ إِذَا خَالَفُوهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١] والنذر جمع نذير.
[٦] ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [القمر: ٦] أي أَعْرِضْ عَنْهُمْ، نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
قيل: ههنا وَقَفٌ تَامٌّ.
وَقِيلَ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ.
﴿يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ﴾ [القمر: ٦] أَيْ إِلَى يَوْمِ الدَّاعِي، قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ إِسْرَافِيلُ يَنْفُخُ قَائِمًا عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ﴿إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر: ٦] مُنْكَرٍ فَظِيعٍ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ فينكروه استعظاما.
[قوله تعالى خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ] كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ...
[٧] ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ [القمر: ٧] في قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ) أَيْ: ذَلِيلَةً خَاضِعَةً عِنْدَ رُؤْيَةِ العذاب.
﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [القمر: ٧] مِنَ الْقُبُورِ، ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ [القمر: ٧] مُنْبَثٌّ حَيَارَى، وَذَكَرَ الْمُنْتَشِرَ عَلَى لَفْظِ الْجَرَادِ، نَظِيرُهُا: ﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [الْقَارِعَةِ: ٤] وَأَرَادَ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا جِهَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ يَقْصِدُهَا كَالْجَرَادِ لَا جِهَةَ لَهَا تَكُونُ مُخْتَلِطَةً بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ.
[٨] ﴿مُهْطِعِينَ﴾ [القمر: ٨] مسرعين مقبلين، ﴿إِلَى الدَّاعِي﴾ [القمر: ٨] إِلَى صَوْتِ إِسْرَافِيلَ، ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨] صَعْبٌ شَدِيدٌ.
[٩] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ [القمر: ٩] أَيْ قَبْلَ أَهْلِ مَكَّةَ، ﴿قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾ [القمر: ٩] نوحا، ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ [القمر: ٩] أَيْ زَجَرُوهُ عَنْ دَعْوَتِهِ وَمَقَالَتِهِ بِالشَّتْمِ وَالْوَعِيدِ، وَقَالُوا: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١١٦] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى ازْدُجِرَ أَيِ اسْتُطِيرَ جُنُونًا.
[١٠] ﴿فَدَعَا﴾ [القمر: ١٠] نوح، ﴿رَبَّهُ﴾ [القمر: ١٠] وقال، ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ﴾ [القمر: ١٠] مقهور، ﴿فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] فَانْتَقِمْ لِي مِنْهُمْ.
[١١] ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر: ١١] مُنْصَبٍّ انْصِبَابًا شَدِيدًا لَمْ يَنْقَطِعْ أربعين يوما.
[١٢] ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ [القمر: ١٢] يَعْنِي مَاءَ السَّمَاءِ وَمَاءَ الْأَرْضِ، وإنما قال: التقى الْمَاءُ وَالِالْتِقَاءُ لَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الْمَاءَ يَكُونُ جَمْعًا وواحدا، ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١٢] أَيْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءَانِ سَوَاءً فَكَانَا على قدر.
[١٣] ﴿وَحَمَلْنَاهُ﴾ [القمر: ١٣] يَعْنِي نُوحًا، ﴿عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣] أَيْ سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ، ذَكَرَ النَّعْتَ وَتَرَكَ الِاسْمَ، أَرَادَ بِالْأَلْوَاحِ خَشَبَ السَّفِينَةِ الْعَرِيضَةِ، (وَدُسُرٍ) أَيِ الْمَسَامِيرُ الَّتِي تُشَدُّ بِهَا الْأَلْوَاحُ، وَاحِدُهَا دِسَارٌ وَدَسِيرٌ، يُقَالُ: دَسَرْتُ السَّفِينَةَ إِذَا شَدَدْتُهَا بِالْمَسَامِيرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الدُّسُرُ صَدْرُ السَّفِينَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُرُ الْمَاءَ بِجُؤْجُئِهَا، أَيْ تَدْفَعُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ عَوَارِضُ السَّفِينَةِ.
وَقِيلَ: أَضْلَاعُهَا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْأَلْوَاحُ جَانِبَاهَا، وَالدُّسُرُ أَصْلُهَا وطرفاها.
[١٤] ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١٤] أَيْ بِمَرْأًى مِنَّا.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحِفْظِنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْمُوَدَّعِ: عَيْنُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: بِأَمْرِنَا.
﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر: ١٤] يَعْنِي فِعْلَنَا بِهِ وَبِهِمْ مِنْ إِنْجَاءِ نُوحٍ وَإِغْرَاقِ قَوْمِهِ ثَوَابًا لِمَنْ كَانَ كُفِرَ بِهِ وَجُحِدَ أَمْرُهُ، وَهُوَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ: (مَنْ) بِمَعْنَى (مَا) أَيْ جَزَاءً لِمَا كَانَ كُفِرَ مِنْ أَيَادِي اللَّهِ وَنِعَمِهِ عِنْدَ الَّذِينَ أَغْرَقَهُمْ، أَوْ جَزَاءً لِمَا صُنْعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ، يَعْنِي كَانَ الْغَرَقُ جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ رسوله.
[١٥] ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا﴾ [القمر: ١٥] يَعْنِي الْفِعْلَةَ الَّتِي فَعَلْنَا، ﴿آيَةً﴾ [القمر: ١٥] يُعْتَبَرُ بِهَا.
وَقِيلَ: أَرَادَ السَّفِينَةَ.
قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَاهَا اللَّهُ بِبَاقِرِ دِي مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٥] أَيْ مُتَذَكِّرٍ مُتَّعِظٍ مُعْتَبِرٍ خَائِفٍ مثل عقوبتهم.