[٢٨] ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ [القلم: ٢٨] أعدلهم أعقلهم وَأَفْضَلُهُمْ، ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ [القلم: ٢٨] هَلَّا تُسْتَثْنُونَ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِمْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَسَمَّى الِاسْتِثْنَاءَ تَسْبِيحًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وقيل: هلا تسبحون الله وتقولوا. سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ. وَقِيلَ: هَلَّا تَسْتَغْفِرُونَهُ مِنْ فعلكم.
[٢٩] ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ [القلم: ٢٩] نَزَّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ وَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ فَقَالُوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [القلم: ٢٩] بِمَنْعِنَا الْمَسَاكِينَ.
[٣٠] ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ [القلم: ٣٠] يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مَنْعِ الْمَسَاكِينِ حُقُوقَهُمْ وَنَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بالويل.
[٣١] ﴿قَالُوا يا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ [القلم: ٣١] فِي مَنْعِنَا حَقَّ الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: طَغَيْنَا نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ نَشْكُرْهَا وَلَمْ نَصْنَعْ مَا صَنَعَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ.
[٣٢] ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ [القلم: ٣٢] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْقَوْمَ أَخْلَصُوا وَعَرَفَ اللَّهُ مِنْهُمُ الصِّدْقَ فَأَبْدَلَهُمْ بِهَا جنة يقال لها الحيوان.
[٣٣] ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ [القلم: ٣٣] أَيْ كَفِعْلِنَا بِهِمْ نَفْعَلُ بِمَنْ تَعَدَّى حُدُودَنَا وَخَالَفَ أَمْرَنَا، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٣٣]
[٣٤] ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ لِلْمُتَّقِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [القلم: ٣٤] فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا نُعْطَى فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا تُعْطَوْنَ. فَقَالَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ.
[٣٥- ٣٧] ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ - أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ﴾ [القلم: ٣٥ - ٣٧] نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿فِيهِ﴾ [القلم: ٣٧] في هذا الكتاب، ﴿تَدْرُسُونَ﴾ [القلم: ٣٧] تقرءون.
[٣٨] ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ﴾ [القلم: ٣٨] فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، ﴿لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ [القلم: ٣٨] تَخْتَارُونَ وَتَشْتَهُونَ.
[٣٩] ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ﴾ [القلم: ٣٩] عهود ومواثيق، ﴿عَلَيْنَا بَالِغَةٌ﴾ [القلم: ٣٩] مُؤَكَّدَةٌ عَاهَدْنَاكُمْ عَلَيْهَا، فَاسْتَوْثَقْتُمْ بِهَا منا فلا تنقطع، ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٩] الخير والكرامة عند الله.
[٤٠] ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم: ٤٠] كفيل أي أيهم يكفل لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ.
[٤١] ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ [القلم: ٤١] أَيْ عِنْدَهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ أَرْبَابٌ تَفْعَلُ هَذَا. وَقِيلَ: شُهَدَاءُ يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِصِدْقِ مَا يَدَّعُونَهُ. ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [القلم: ٤١]
[٤٢] ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم: ٤٢] قِيلَ: عَنْ أَمْرٍ فَظِيعٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْجِدِّ وَمُقَاسَاةِ الشِّدَّةِ شَمَّرَ عَنْ سَاقِهِ، وَيُقَالُ إِذَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ فِي الْحَرْبِ: كشفت الحرب عن ساق. قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢] يعني الكفار والمنافقون، تَصِيرُ أَصْلَابُهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ فَلَا يستطيعون السجود.
[قوله تعالى خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا] يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ...


الصفحة التالية
Icon