قَرَأَ يَعْقُوبُ (تَقَوَّلَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وتشديدها ﴿عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الجن: ٥] أَيْ كُنَّا نَظُنُّهُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ لِلَّهِ صَاحِبَةً وَوَلَدًا حَتَّى سَمِعْنَا الْقُرْآنَ.
[٦] قَالَ اللَّهُ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الْجِنِّ: ٦] وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا سَافَرَ فأمسى في الوادي قال: أعوذ بسيد سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي أَمْنٍ وجوار منهم حتى يصبح ﴿فَزَادُوهُمْ﴾ [الجن: ٦] يعني زاد الإنسان الجن باستعاذتهم بقادتهم ﴿رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] قال ابن عباس: إثما. وقال مجاهد: طغيانا. وقال مقاتل: غيا. وقال الحسن: شرا. وقال إِبْرَاهِيمُ: عَظَمَةً وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَزْدَادُونَ بِهَذَا التَّعَوُّذِ طُغْيَانًا، يَقُولُونَ: سدنا الجن والإنس، والرهق فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِثْمُ وَغِشْيَانُ المحارم.
[٧] ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا﴾ [الجن: ٧] يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: إِنَّ الْجِنَّ ظنوا، ﴿كَمَا ظَنَنْتُمْ﴾ [الجن: ٧] يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ مِنَ الْإِنْسِ ﴿أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ [الجن: ٧] بعد موته.
[٨] ﴿وَأَنَّا﴾ [الجن: ٨] يقول الجن، ﴿لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ [الجن: ٨] قَالَ الْكَلْبِيُّ: السَّمَاءُ الدُّنْيَا، ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾ [الجن: ٨] من الملائكة ﴿وَشُهُبًا﴾ [الجن: ٨] مِنَ النُّجُومِ.
[٩] ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ [الجن: ٩] من السماء، ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ [الجن: ٩] أَيْ كُنَّا نَسْتَمِعُ، ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] أُرْصِدَ لَهُ لِيُرْمَى بِهِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّ الرَّجْمَ كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ فِي شِدَّةِ الْحِرَاسَةِ، وَكَانُوا يَسْتَرِقُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ قَالُوا:
[١٠] ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: ١٠] بِرَمْيِ الشُّهُبِ، ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠]
[١١] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١] دُونَ الصَّالِحِينَ. ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] أَيْ جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقِينَ وَأَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً، وَالْقِدَّةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: صَارَ الْقَوْمُ قِدَدًا إِذَا اخْتَلَفَتْ حَالَاتُهُمْ، وَأَصْلُهَا مِنَ الْقَدِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنُونَ مُسْلِمِينَ وكافرين، وقيل: أهواء مختلفة وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: شِيَعًا وَفِرَقًا لِكُلِّ فِرْقَةٍ هَوًى كَأَهْوَاءِ النَّاسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَلْوَانًا شَتَّى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَصْنَافًا.
[١٢] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ [الجن: ١٢] علمنا وأيقنا، ﴿نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: ١٢] أَيْ لَنْ نَفُوتَهُ إِنْ أَرَادَ بِنَا أَمْرًا، ﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢] إِنْ طَلَبَنَا.
[١٣] ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ [الجن: ١٣] الْقُرْآنَ وَمَا أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ، ﴿آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ [الجن: ١٣] نُقْصَانًا مِنْ عَمَلِهِ وَثَوَابِهِ، ﴿وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] ظلما. وقيل: مكروها يغشاه.
[قوله تعالى وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ] فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا...
[١٤] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ [الجن: ١٤] وَهْمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] الْجَائِرُونَ الْعَادِلُونَ عَنِ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا،


الصفحة التالية
Icon