هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ١… عبارات السلف في ((شهد)) تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار٢. وهذه الأقوال كلها حق، لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه. فلها أربع مراتب. فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويذكرها، وينطق بها، أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلم غيره بها بما يشهد به، ويخبره به، ويبينه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمُرَه به.
فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهداً بما لا علم له به، قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٣ وقال صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهد" ٤ وأشار إلى الشمس. وأما مرتبة التكلم
٢ الإعلام والإخبار متقاربان. وانظر ما يؤيد كلام المؤلف في مجاز القرآن (١/٨٩)، وتهذيب اللغة (٦/٧٢، ٧٣)، ومعجم مقاييس اللغة (٣/٢٢١) ((شهد))، والبحر المحيط (٢/٤١٩)، وعمدة الحفاظ (٢/٣٤٢)، والنكت والعيون (١/٣٧٩)، والجواهر الحسان (١/٣٠٢).
٣ سورة الزخرف، الآية: ٨٦.
٤ أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/١١٠) بنحوه من حديث ابن عباس، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: واه، فعمرو قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول ضعفه غير واحد. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/١٥٦) وقال: محمد بن سليمان بن مسمول هذا تكلم فيه الحميدي، ولم يرو من وجه يعتمد عليه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/١٨) بلفظ المؤلف وقال: غريب. وأخرجه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (٤/٧٠) وذكر أن هذا الحديث لا يعرف إلا من طريق المسمولي. وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ص (٢٩٠) وقال: أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف، وصححه الحاكم فأخطأ.