بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك إلى آخر كلامه١.
وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول حديث أنس المخرج في الصحيحين، الذي فيه: "قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي" ٢.
ولكن قد رُوي من طريق أُخرى: "قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار" ٣. وليس فيه (في ظهر آدم) وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول. بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين:
أحدهما: كون الناس تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة.
والثاني: أن الآية دلت على ذلك، والآية لا تدل عليه لوجوه:
أحدها: أنه قال: ﴿من بني آدم﴾، ولم يقل: من آدم.
الثاني: أنه قال: ﴿من ظهورهم﴾ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض، أو بدل اشتمال٤، وهو أحسن.
الثالث: أنه قال: ﴿ذريتهم﴾ ولم يقل: ذريته.
الرابع: أنه قال: ﴿وأشهدهم على أنفسهم﴾ أي جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولابد أن يكون الشاهد ذاكراً لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.

١ انظر المرجع نفسه (٧/٣١٤-٣١٦).
٢ تقدم تخريجه قريباً.
٣ انظر فتح الباري (١١/٤٠٣) فقد قال الحافظ: "في رواية ثابت (قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار").
٤ انظر الدر المصون (٥/٥١١).


الصفحة التالية
Icon