الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: ﴿إنا كنا عن هذا غافلين﴾ والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فُطروا عليها، كما قال تعالى: ﴿رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ ١.
السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ﴿إنا كنا عن هذا غافلين﴾، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعاً ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السابع: قوله تعالى: ﴿أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم﴾ ٢ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: ألا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره. ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة.
الثامن: قوله: ﴿أفتهلكنا بما فعل المبطلون﴾ ٣ أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه٤ أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.

١ سورة النساء، الآية: ١٦٥.
٢ سورة الأعراف، الآية: ١٧٣.
٣ سورة الأعراف، الآية: ١٧٣.
٤ في قوله تعالى: ﴿ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون﴾ سورة الأنعام، الآية: ١٣١.


الصفحة التالية
Icon