أُسِند إِلى ما أُسنِد إِليه. يُبَيِّنُ أنَّ الشرَفَ كان لأَن سُلِكَ فيه هَذا المسلكُ، وتُوُخَّيَ به هذا المذهبُ أنْ تَدَع هذا الطريقَ فيه١، وتأخذَ اللفظَ فتُسنِده إِلى الشَّيب صريحاً فتقول: "اشتعلَ شَيبُ الرأسِ"، أو "الشيبُ في الرأس"، ثم تنظر هل تَجدُ ذلك الحُسْنَ وتلك الفخامَة؟ وهل تَرى الروعةَ التي كنتَ تَراها؟
٩٢ - فإِن قلْتَ: فما السببُ في أَنْ كان "اشتعلَ" إِذا استُعيرَ للشَّيْب على هَذا الوجهِ، كان لهُ الفضْلُ؟ ولمَ بانَ بالمزيَّةِ منَ الوَجهِ الآخرِ هذه البَيْنُونَة؟
فإنَّ السببَ أَنَّه يُفيدُ، معَ لمَعانِ الشيبِ في الرأسِ الذي هو أَصْلُ المعنى، الشُّمولَ٢، وأَنَّه قد شاعَ فيه، وأَخذَه من نواحيهِ، وأنه قد استغرقه وعمَّ جُمْلَتَه٣، حتى لم يَبْقَ من السَّوادِ شيءٌ، أوْ لم يبْقَ منه إلاَّ ما لا يُعْتَدُّ به. وهذا ما لا يكونُ إِذا قيلَ: "اشتعلَ شَيبُ الرأسِ، أو الشيبُ في الرأس"، بل لا يُوجِبُ اللفظُ حينئذٍ أكثرَ مِنْ ظهورهِ فيه على الجُملة. وَوِزانُ هذا أنك تقولُ: "اشتعلَ البيْتُ ناراً"، فيكونُ المعنى: أنَّ النارَ قد وقَعَتْ فيه وُقوع الشُّمولِ، وأنَّها قد استولَتْ عليه وأخذَتْ في طرفَيْه ووَسَطِه. وتقولُ: "اشتعلتِ النارُ في البيت"، فلا يُفيد ذلك، بل لا يُقْتضَى أكثرُ من وقوعِها فيه، وإِصابتها جانباً منه. فأمَّا الشُّمول. وأنْ تكونَ قد استولتَ على البيت وابتزته، فلا يعقل من اللفظ البتة.

١ "أن تدع" فاعل "يبين" أي يبين ذلك أن تترك هذا الطريق.
٢ السياق:..... أنه يفيد.... الشمول".
٣ في المطبوعة: "استقر به"، وفي نسخة عند رشيد رضا: "استعر فهي"، وكلاهما لا شيء.


الصفحة التالية
Icon