- ك-
فهذه المطبوعة إذنْ، لها ثلاثة أصولٍ مخطوطةٍ لا أعرفُ عنْها شيئاً، ولكن لما لها من منزلة التقدم، ولأن الذين تولَّوْا نشرها ثلاثة من كبار علمائنا فى هذا العصر، فقد جعلتُها أصلاً ثالثاً، واتبعتُ ترتيبَها، حتى لا تَخْتَلَّ معرفة الناس بهذا الكتاب الجليل الذى بقى فى أيديهم على صورته هذه أكثر من ثمانين سنة. ولكن لابُدَّ من الاشارة هنا إلى أن الخطوطتين"ج " و "س" قد صححتَا خَلَلاً شديداً كان فى بضعة مواضع من الكتاب، وكان شَرها وأبشعها ما وقع فى هذه المطبوعة فى ص: ٣٩٠، ٣٩١ وهو واقع فى مطبوعتنا ص: ٥٤٠ تعليق: ٤، فقد كان كلاماً لا يُعْقَل ولا يُهْتَدَى إلى صوابه، ولا أدرى كيف وقع هذا الخلل. وعندما بدأت قراءة الكتاب ونشره، كانت نيَّتى أن استبقى جميع تعليقات الشيخ رشيد رحمه الله، ففعلتُ ذلك فى أوائل الصفحات، ثم أضربتُ عنْ ذلك، لقلة فائدة هذه الحواشى، ولكيلا يختلطَ عملى بعمل غيرى، ولكنّى لم أخلِ تعليقاتى من الإشارة إلى تعليقاته رحمه الله.
فهذه المطبوعة، إذنْ، كأنها اعتمدت على خمس مخطوطات: مخطوطة " ج " و " س"، ثم مخطوطة المدينة، ومخطوطة بغداد، ومخطوطة الشيخ محمد عبده، وهى ثلاثة لا أعرف عنها شيئًا، إلا ثِقة منِّى بعمل الشيخ رشيد رضا رحمه الله، وغفر لنا وله.
بقى شىء واحد، وهو أنى وضعت فى هامش الكتاب أرقام صفحات المخطوطة " ج" برسم الأعداد العربية المألوف فى بلادنا، وأرقام صفحات الخطوطة " س " برسم الأعداد التى كتب بها الأعاجم أعدادهم، وأما صفحات مطبوعة الشيخ رشيد، فقد وضعت أرقام صفحاتها فى دائرة O هكذا، وهى فاصلة فى سياق الكلام، وآثرت ذلك، لأنّ هذه المطبوعة بقيت دهراً طويلاً فى أيدى العلماء، وأحالوا إلى صفحاتها فى حواشيهم، لأنها أجودُ نسخةٍ طبعت من كِناب " دلائل الاعجاز" حتى تم طبعُ نسختنا هذه.
الحسن البصري وتمثله بالشعر:
قالوا: وكان الحسَنُ البصريُّ رحمه الله يتمثَّلُ في مَواعظِه بالأبياتِ من الشّعرِ، وكان من أوجعها عنده:

اليومَ عندكَ دَلُّها وحديثُها وغَداً لِغيرك كَفُّها والمعصم١
تمثل عمر بن الخطاب بشعر:
١٣ - وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره المرزباني، في كتابه بإِسنادٍ، عن عبد الملك بنِ عُميرٍ أنه قال: أتي عمر رضوان الله عليه يحلل منَ اليمنِ، فأتاهُ محمدُ بنُ جعفرِ بن أبي طالبٍ، ومحمدُ بنُ أبي بكر الصدَّيقُ، ومحمدُ بنُ طلحةَ بنِ عبيدِ الله، ومحمدُ بنُ حاطبٍ، فدخلَ عليه زيدُ بن ثابتٍ رضي الله عنه فقال: يا أميرَ المؤمنين، هؤلاء المحمودن بالبابِ يطلبون الكُسْوة. فقال: ائْذِنْ لهم يا غلام. فدعا بحلل، فأخذ زيد أجودها [حلة] ٢ وقال: هذهِ لمحمّدِ بن حاطبٍ، وكانتْ أُمُّه عندَه، وهو من بني لؤيٍّ، فقال عمرُ رضي الله عنه: أيهاتَ أيهات! وتمثَّل بشعرِ عمارة بن الوليد:
أَسرَّكِ لما صُرِّع القومُ نشوةٌ خروجيَ منها سَالِماً غَيْرَ غارِمِ
بَرِيئاً كأنَّي قبلُ لم أكُ منهمُ وليسَ الخداعُ مرتَضًى في التَّنادُمِ
١ من أبيات جياد في مذمته بعض النساء، يقول:
إن النساء وإن ذكرن بعفة فيما يظاهر في الأمور ويكتم
لحم أطاف به سباع جوع ما لا يذاد، فإنه يتقسم
لا تأمنن أنثى حياتك، واعلمن أن النساء ومالهن مقسم
اليومَ عندكَ دَلُّها وحديثُها وغَداً لِغيرك كَفُّها والمعصم
كالخان تسكنه وتصبح غاديًا ويحل بعدك فيه من لا تعلم
"أمالي الشريف ١/ ١٦٠/ شرح الحماسة للتبريزي ٣: ١١٩".
٢ الزيادة بين القوسين من "س".


الصفحة التالية
Icon