- ل -
• أما " الرسالة الشافية" المثبتة فى آخر نسخة "ج "، فقد نص الناسخ على أنها " خارجة من كتابه الموسم بدلائل الإعجاز "، وقد نشرها من قبل الأستاذان " محمد خلف الله أحمد " و " محمد زغلول سلام "، فى مجموعة ذخائر العرب، ضمن كتاب بعنوان: " ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن، للرُّمَّاني، والخَطَّابى، وعبد القاهر الجرجانى "، عن نسختنا "ج " نفسها. وقد آثرت أن أعيد نَشْرَها، لأنها قطعة من النسخة "ج " التى جعلتُها أصلاً معتمداً للنشر، ثم للسبب الذى ذكرته آنفاً من أن عبد القاهر، كان ينقضُ بكتابه قول الطائفة التى اتبعت القاضى عبد الجبار من المعتزلة، وقالت بقوله وردَّدته، ولم يذكر فيه القائلين من المعتزلة بقول شيخهم القديم النظام فى " الصرفة "، وأفرد لهم هذه " الرسالة الشافية "، ففيها الردّ على أهل " الصرفة " وغيرهم من المعتزلة. وكانت أيضاً هذه المطبوعة الأولى، غير مطابقة كل المطابقة لما فى المخطوطة، كما أشرت إليه فى التعليق عليها، وأرجو أن كون قد أحسنتُ.
والحمدُ لله أوَّلاً وآخراً على توفيقه وعظيم إنعامِه علىَّ، بٍأن أتولَّى قراءةَ هذا السفر الجليل والتعليقَ عليه، مُقِرًّا بالعَجْزِ والتقصير، ضارعا إليه أن يَغْفر لى ما أسأتُ فيه، وأسألهُ أن يُعيننى على مَا أُقْحِم نفسى فيه من عَمَل أريدُ به وجهَهُ سبحانه، ثُمَّ ما أضمرُهُ من خدمة هذه اللُّغة الشريفة النبيلة التى شرفَها الله وكرَّمها بتنزيل كتابه بلسانٍ عربىّ مبين، وصلَّى الله على النبىّ الأمِّىِّ صلاة تُزْلِفُنا عنده، صلَّى الله عليه وسلَّم، وصلَّى الله على أبويه الكريمين إبْراهيم وإسْماعيل وعلى سائر أنبيائه ورُسُله. اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا ويسِّر لنا كُل عسِير.
الثلاثاء: ٥ جمادى الأولى سنة ١٤٠٤
٧ فبراير سنة ١٩٨٤
مصر الجديدة/ ٣ شارع الشيخ حسين المرصفى
أبو فهر
محمود محمد شاكر
رُدَّها. ثم قالَ: ائْتني بثوبٍ فألقِهِ على هذهِ الحُلل. وقال: أدخلْ يدَكَ فخُذْ حُلَّة وأنتَ لا تَراها، فأَعْطِهمْ. قال عبدُ الملك: فلم أر قسمة أعدل منها١.
و"عمارة"، هذا هو "عمارةبن الوليد بنِ المُغيرةِ"، خطبَ امرأةً من قومه فقالت: لا أتزوجُك أو تترُكَ الشرابَ، فأبى، ثم اشتد وَجْدُه بها فحلَفَ لها أنْ لا يشرب، ثم مر بخمار عند شَرْبٌ يشربون، فدعَوْه فدخَلَ عليهم وقد أنْفَدوا ما عندهم، فنَحَر لهم ناقتَه وسَقاهم بِبُرْدَيْه، ومكَثوا أَياماً، ثم خرجَ فأتى أَهْلَه، فلمَّا رأتْه امرأتُه قالت: أَلم تَحْلِفْ أَنْ لا تَشْرب؟ فقال:

ولسنا بشَرْب أمَّ عمرو إِذا انْتَشَوْا ثيابُ الندامى عِنْدَهُمْ كالغَنائم
ولكنّنا يا أمَّ عمروٍ نَديمُنا بمنزلةٍ الريَّانِ ليسَ بعائمِ
أَسَّرك.... البيتين٢
١٤ - فإذنْ رُبَّ هَزْلٍ صار أَداةً في جِدّ، وكلامٍ جَرى في باطلٍ ثم استُعينَ به على حَقّ، كما أنه رُبَّ شيءٍ خَسيس، تُوصِّلَ به إِلى شريفٍ، بأنْ ضُرِبَ مَثلاً فيه وجُعل مثالاً له، كما قال أبو تمام:
واللهُ قَدْ ضَربَ الأَقلَّ لنورِه مَثَلاً منَ المشكاة والنبراس٣
١ الخبر والشعر في الأغاني: ١٨: ١٢٥، بنحو هذه القصة.
٢ الخبر والشعر في الأغاني ١٨ - ١٢٣، ومعجم الشعراء للمرزباني: ٢٤٧. و "الشرب"، جمع "شارب"، و "العائم" من قولهم: "عام الرجل إلى اللبن يعام ويعيم عيمًا وعيمة"، اشتدت شهوته للبن حتى لا يصبر عنه.
٣ في هامش المخطوطة "ج"، ما نصه: "هو القطن، "يعني النبراس"، وأراد به الفتيلة ذكره الجوهري في الصحاح أن النبراس هو المصباح، وكذا.... والله أعلم". والبيت في ديوان أبي تمام.


الصفحة التالية
Icon