الأبصارَ لا تَعْمى"، وكذلك السبيلُ أبداً في كلَّ كلامٍ كان فيه ضميرُ قصة. فقولُه تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧]، يُفيد من القوةً في نفيِ الفَلاحِ عنِ الكافرين، ما لو قيل: "إنَّ الكافرين لا يفلحون"، لم يستفد ذلك. ولم يكن ذلك كذلك إلا أنك تُعلمه إياهُ مِنْ بعدِ تقدمةٍ وتنبيهٍ، أنتَ به في حكْم مَنْ بدأَ وأعادَ ووطَّد، ثم بنى ولوَّح ثم صرَّح١. ولا يَخفى مكانُ المزيةِ فيما طريقه هذا الطريق.
تقديم المحدث عنه يقتضي تأكيد الخبر:
١٣٠ - ويَشْهد لِما قلنا مِنْ أنَّ تقديمَ المحدَّثِ عنه يَقْتضي تأكيدَ الخبرِ وتحقيقَه له، أنَّا إذا تأَملْنا وجَدْنا هذا الضَّرْبَ منَ الكلام يجيءُ فيما سبقَ فيه إنكارٌ من مُنْكِرٍ، نحوُ أنْ يقولَ الرجلُ: "ليس لي علمٌ بالذي تقول" فتقولُ له: "أنتَ تَعْلم أنَّ الأمرَ على ما أَقولُ، ولكنك تَميل إلى خصمي" وكقول الناس: "هو يَعلمُ ذاك وإنْ أَنْكَرَ، وهو يَعلمُ الكَذِبَ فيما قالَ وإنْ حلفَ عليه" وكقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥، ٧٨]، فهذا من أَبْيَنِ شيءٍ. وذاكَ أنَّ الكاذبَ، لا سيَّما في الدِّين، لا يَعْترف بأنه كاذبٌ، وإِذا لم يعترفْ بأنه كاذبٌ، كان أبْعَدَ مِن ذلك أنْ يعترِفَ بالعِلْم بأنه كاذبٌ.
أوْ يَجيء فيما اعترضَ فيه شكٌّ، نحوُ أَنْ يقولَ الرجلُ: "كأنَّك لا تعلمُ ما صَنعَ فلانٌ ولم يُبْلِغْك"، فيقولُ: "أنا أعلمُ، ولكني أداريه".

١ في المطبوعة وحدها "ثم بين"، ويريد أنه يبنى على الاسم ثم يأتي بالخبر.
٢ عطف على قوله في أول الفقرة: ".... وجدنا هذا الضرب من الكلام يجيء.... ".


الصفحة التالية
Icon