أوْ في تكذيبِ مُدَّعٍ كقولهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ [المائدة: ٦١]، وذلك أنَّ قولَهم: "آمنَّا"، دعْوى منهم أَنَّهم لم يَخْرجوا بالكُفْر كما دَخلوا به، فالمَوضعُ موضعُ تكذيب.
أو١ فيما القياسُ في مِثْله أنْ لا يكونَ، كقولهِ تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الفرقان: ٣]، وذلك أنَّ عبادتَهم لها تَقْتضي أنْ لا تكونَ مخلوقة.
وكذلك في كلَّ شيءٍ كان خبَراً على خلافِ العادةِ، وعما يُسْتَغرب من الأمر نحو أن تقول: "ألا تَعْجَبُ من فلان؟ يَدَّعي العظيمَ، وهو يَعْيى باليسيرِ، ويَزْعمُ انّهُ شُجاعٌ، وهو يَفْزَع من أدنى شيء".
وجوه تقديم المحدث عنه، ومعانيها:
١٣١ - ومِمّا يَحْسنُ ذلك فيه ويَكْثُر، الوعدُ والضمانُ، كقولِ الرجل: "أنا أُعطيك، أنا أَكفيك، أنا أَقومُ بهذا الأمر"، وذلك أنَّ مِن شأنِ مَنْ تَعِدُهُ وتَضْمَنُ له، أن يَعْترضَه الشكُّ في تمامِ الوعدِ وفي الوفاءِ به، فهو مِنْ أَحْوج شيءٍ إلى التَّأكيد.
وكذلك يَكْثُر في المدحِ، كقولك: "أنت تُعطي الجزيلَ، أنتَ تَقْري في المَحْلِ، أنتَ تَجودُ حينَ لا يجود أحد"، وكما قال:

ولأنت تقري ما خلَقْتَ وبَعْـ ـضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفري٢
١ معطوف على أول الفقرة السابقة.
٢ هو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه. وهذا البيت ليس في "س".


الصفحة التالية
Icon