وليس لِنَتائجِ هذا الحذفِ، أعني حَذْفَ المفعولِ، نهايةٌ، فإنه طريقٌ إلى ضروبٍ من الصَّنْعة، وإلى لطائف لا تحصى.
نوع آخر، وهو: "الإضمار على شريطة التفسير" ومثاله
١٦٦ - وهذا نوع منه آخر: اعلم أن ههنا باباً منَ الإضمار والحذفِ يُسمَّى "الإضمار على شريطةِ التفسير"، وذلك مثْلُ قولِهم: "أكْرَمني وأَكْرَمْتُ عبدَ اللهِ"١، أردتُ: "أكرَمني عبدُ الله، وأكرمتُ عبدَ الله"، ثم تركتُ ذِكْرَه في الأولِ استغناءً بذِكْرهِ في الثاني. فهذا طريقٌ معروفٌ ومذْهَبٌ ظاهرٌ، وشيءٌ لا يُعْبَأُ به، ويُظَنُّ أنه ليس فيه أَكثرُ مما تُريكَ الأمثلةُ المذكورةُ منه وفيه إذا أنتَ طلبتَ الشيءَ من مَعْدِنِه منْ دقَيقِ الصنعةِ ومن جَليلِ الفائدةِ، ما لا تَجدُه إلاَّ في كلامِ الفحول.
١٦٧ - فمِنْ لطيفِ ذلك ونادرِهِ قولُ البحتري:

لوْ شِئْتَ لم تُفْسِدْ سَماحَة حاتِمٍ كَرَماً ولمْ تَهْدِمْ مآثِرَ خالدِ٢
الأصلُ لا محالةَ: لو شئْتَ أن لا تُفْسِدَ سماحةَ حاتمٍ لم تُفْسِدْها، ثم حُذِفَ ذلك مَن الأول استغناءً بدلالته في الثاني عليه، ثم هو على ما تراهُ وتَعلَمُه منَ الحُسْن والغَرابة، وهو على ما ذكرتُ لك من أنَّ الواجبَ في حُكْم البلاغة أن لا يُنْطَقَ بالمحذوف ولا يَظَهَرَ إلى اللفظُ. فليس يَخفى أنك لو رَجَعْتَ فيه إلى ما هو أصْلُه فقلتَ: "لو شئتَ أن لا تُفسِدَ سماحةَ حاتمٍ لم تُفْسِدْها"، صِرْتَ إلى كلامٍ غَثٍّ، وإلى شيءٍ يَمجُّهُ السمْعُ، وتَعافُهُ النفْسُ. وذلك أنَّ في البيانِ،
١ انظر التعقيب على هذا المثل فيما يأتي، الفقرة رقم: ١٧٢.
٢ البيت في ديوانه.


الصفحة التالية
Icon