والنُكتةُ أنك تُثْبِتُ في الأول الذي هو قولك: "زيدٌ منطلقٌ" فِعْلاً لم يَعْلم السامعُ من أصْله أنه كان، وتُثبتُ في الثاني الذي هو "زيدٌ المنطلقُ" فعْلاً قد عَلِمَ السامعُ أنَّه كان، ولكنه لم يَعْلَمهُ لِزَيْدٍ، فأَفَدْتَهُ ذلك. فقد وافقَ الأولَ في المعنى الذي له كانَ الخبرُ خبراً، وهو إثباتُ المعنى للشيء. وليس يَقْدَح في ذلك أنكَ كنْتَ قد علمْتَ أنَّ انطلاقاً كان من أحَدِ الرجلين، لأنك إذا لم تَصِلْ إلى القَطْع على أنه كان من زيدٍ دون عمرو، وكان حالُك في الحاجةِ إلى من يُثْبته لزيدٍ١، كحالك إذا لم تَعْلم أنه كانَ من أَصْله.
١٩٣ - وتمامُ التحقيق أنَّ هذا كلامٌ يكونُ معك إذا كنتَ قد بُلِّغْتَ أنه كانَ مِن إنسانٍ انطلاقٌ مِنْ مَوْضعِ كذا في وَقْتِ كذا لغرضِ كذا، فجوَّزْتَ أنْ يكونَ ذلك كان مِنْ زيدٍ. فإذا قيلَ لك: "زيدٌ المنطلقُ"، صار الذي كان معلوماً على جهِة الجواز، معلوماً على جهةِ الوجوبِ. ثم إنهم إذا أرادوا تأكيدَ هذا الوجوبِ أدْخلوا الضميرَ المسمَّى "فصْلاً" بين الجزءين فقالوا: "زيدٌ هو المنطلق".
إذا كان الخبر نكرة، جاز أن تعطف على المبتدأ مبتدأ آخر، وتفصيل ذلك:
١٩٤ - ومن الفرق بين المسئلتين، وهو مما تَمسُّ الحاجةُ إلى معرفتهِ، أنك إذا نكَّرْتَ الخبرَ جازَ أن تأتيَ بمبتدأ ثانٍ، على أنْ تُشركه بحرفِ العطفِ في المعنى الذي أخبرْتَ به عن الأوَّل، وإذا عرَّفتَ لم يَجُزْ ذلك.
تفسيرُ هذا أنك تقول: "زيدٌ منطلق وعمرو"، تريدُ "وعمروٌ منطلقٌ أيضاً"، ولا تقولُ: "زيدٌ المنطلق وعمرو"، ذلك لأنَّ المعنى مع التعريفِ على أنك أردْتَ أن تُثبت انطلاقاً مخصوصاً قد كان من واحدٍ، فإذا أَثْبتَّه لزيدٍ لم يَصِحَّ إثباتُه لعمرو.