حتى يُغْرِبَ في الصنعةِ، ويُدِقَّ في العمل، ويُبْدِعَ في الصياغَة. وشواهدُ ذلك حاضِرةٌ لك كيف شئت، وأمثلته نصب عينك من أينَ نظَرْتَ.
تنظرُ إِلى قول الناس: "الطبع لا يتغير"، و "لست تَسْتطيعُ أَنّ تُخْرِجَ الإنسانَ عمَّا جُبِلَ عليه"، فترَى معنى غُفَلاً عامياً معروفاً في كل جيلٍ وأمه، ثم تنظرُ إِليه في قولِ المتنبي:
يُرادُ مِنَ القلبِ نِسْيانُكُمْ | وتَأْبى الطباعُ عَلَى الناقِلِ١ |
رد شبهة المعتزلة هذه وفساد قولهم، وهو فصل جيد:
٤٩٨ - وإذْ قد عرَفْتَ ذلك، فإِن العقلاءَ إِلى هذا قصَدُوا حين قالوا: "إِنه يَصِحُّ أنْ يُعبَّر عن المعنى الواحدِ بلفظَينْ، ثم يكونُ أحدُهُما فصيحاً والآخرُ غيرَ فَصيح"، كأنَّهم قالوا: إنه يصح أن تكون ههنا عبارتان أَصْلُ المعنى فيهما واحدٌ، ثم يكونُ إحداهما في تحسين ذلك المعنى وتزينه، وإِحداثِ خصوصيةٍ فيه تأثيرٌ لا يكونُ للأُِخْرى.
٤٩٩ - واعلمْ أَن المخالِفَ لا يَخْلو مِنْ أنْ ينكر أن يكون للمعنى إحدى العبارتَيْن حسْنٌ ومزيةٌ لا يكونان له في الأخرى، وأنْ تَحْدُثَ فيه على الجملةِ صورةٌ لم تكُن٢ أو يُعْرف ذلك.
فإنْ أَنكرَ لم يُكلم، لأنه يؤديه إِلى أن لا يجعلَ لِلمعنى في قوله:
١ هو في ديوانه.
٢ السياق: ".... أَن المخالِفَ لا يَخْلو مِنْ أنْ يُنْكِر.... أو يعرف".
٢ السياق: ".... أَن المخالِفَ لا يَخْلو مِنْ أنْ يُنْكِر.... أو يعرف".