له١ لكان فيه الكفايةُ. وذاك أنَّ الألفاظَ أدلَّةٌ على المعاني، وليس للدليل إلاَّ أنْ يُعْلِمَكَ الشيءَ على ما يكونُ عليه، فأَما أن يصيرَ الشيء بالدليل، على صفةٍ لم يكُنْ عليها٢، فما لا يقومُ في عقلٍ، ولا يُتَصوَّر في وهم.
٥٦٢ - وممَّا إذا تفكَّرَ فيه العاقلُ أطالَ التعجُّبَ من أمرِ الناس٣، ومن شدَّةِ غَفْلتهم قولُ العلماء حيث ذكروا "الأخذ" و "السرقة": "إنَّ مَنْ أخذَ معنًى عارياً، فكَساه لفظاً مِنْ عندِه كانَ أحقَّ به"٤، وهو كلامٌ مشهورٌ متداولٌ يقرأُه الصبيانُ في أوَّلِ كتابِ "عبد الرَّحمن"، ثم لا ترى أحداً من هؤلاء الذين لهَجُوا بجعلِ الفضيلةِ في "اللفظ"، يفكِّرُ في ذلك فيقول: من أَين يُتصوَّر أن يكون ههنا معنىً عارٍ من لفظٍ يَدلُّ عليه؟ ثم من أين يعقل أن يجئ الواحدُ منا لِمعنىً من المعانيِ بلفظٍ مِنْ عنده، إنْ كان المرادُ باللفظ نُطْقَ اللسان؟
ثم هبْ أنَه يصِحُّ له أن يَفْعلَ ذلك، فمن أَينَ يَجِبُ إذا وَضَع لفظاً على معنىً، أن يصيرَ أَحقَّ به من صاحبه الذي أخذه منه، إن كانوا هو لا يَصْنَع بالمعنى شيئاً، ولا يُحْدِثُ فيه صفةً، ولا يَكْسِبُه فضيلةً؟ وإذا كان كذلك، فَهَلْ يكون
٢ السياق: "أن يصير الشيء" على صفة لم يكن عليها"، يعني أن يصير المعنى بواسطة اللفظ على صفة لم يكن عليها.
٣ قوله "الناس" هنا، يعني المعتزلة وأصحابه، وانظر ما سلف في آخر رقم: ٥٢٨، والتعليق عليه.
٤ هو في مقدمة كتاب "الألفاظ الكتابية" لعبد الرحمن بن يعسى الهمذاني، وتوفي سنة ٣٢٤.