لكلامهِم هذا وجهٌ سِوى أنْ يكونَ "اللفظُ" في قولهم: "فكسناه لفظاً من عنده"١، عبارةً عن صورةٍ يُحْدِثها الشاعرُ أو غيرُ الشاعر للمعنى؟
فإِن قالوا: بل يكونُ، وهو أنْ يستعيرَ لِلمعنى لفظاً.
قيلَ: الشأنُ في أنَّهم قالوا: "إذا أَخذ معنىً عاريا فسكاه لفظًا من عنده، كان أحق به"١، و "الاستعارة" عندكم مقصورةٌ على مجرَّد اللفظِ، ولا ترَوْنَ المستعيرَ يَصْنَع بالمعنى شيئاً، وتَرونَ أنَّه لا يحدثُ فيه مزيَّةٌ على وجهٍ من الوجوه، وإذا كان كذلك، فمِنْ أَين، ليتَ شِعْري، يكون أحق به، فاعرفه.
أمثلة على ما تفعله صنعة الشاعر في الصورة، والمعنى واحد:
٥٦٣ - ثُمَّ إنْ أردْتَ مثالاً في ذلك، فإنَّ من أحسن شيء فيه، ما صمع أبو تمام في بيتِ أَبي نُخَيْلة، وذلك أن أَبا نُخيلةَ قال في مسلمَةَ بنِ عبد الملك:

أمسلم إني يا ابن كلِّ خَليفةٍ ويا جَبَل الدُّنيا ويا واحِدَ الأرضِ
شكرتُكَ إنَّ الشكْرَ حبْلٌ مِنَ التُّقى وما كلُّ مَنْ أولَيْتَهُ صالحاً يَقْضي
وأَنْبَهْتَ لي ذِكرى وما كانَ خامِلاً ولكنَّ بعضَ الذكْرِ أَنبهُ مِنْ بَعْضِ٢
فعَمد أبو تمام إلى هذا البيت الأخير فقال:
لقد زِدْتَ أوْضاحي امْتِداداً، ولمْ أَكُنْ بَهيماً ولا أَرْضي مِنَ الأَرْضِ مَجهلا
ولكنْ أيادٍ صادفَتْني جِسَامُها أغرَّ فأَوفَتْ بي أغرَّ مُحجَّلا٣
١ هو في كلام عبد الرحمن في كتابه "الألفاظ الكتابية"، والذي نقله عنه آنفًا في اول هذه الفقرة.
٢ هو لأبي نخيلة الراجز، وشعره في الأمالي ١: ٣٠.
٣ في ديوانه، و "الأوضاح" جمع "وضح" بياض محمودًا في الفرس، و "البهيم" من الخيل، ما ليس به وضح، و "أرضى"، يعني دياره وديارة قومه، ليست بمجهل من الأرض، يعني شهرتهم. ومن ضبط "أرضى" فعلًا مضارعًا فقد أخطأ المعنى.


الصفحة التالية
Icon